35 - في آخر جمعة من شهر رمضان
  أما بعد: أيها المؤمنون: ها هو رمضان يؤذن بالخروج، فماذا قدمنا فيه؟!، وها هي أيامه في أواخرها فهل قد أحسنا العمل الصالح فيه؟!، أنت أخي المؤمن شهيد على نفسك، ومؤاخذ بفعلك، ليس فعل غيرك يحسب لك، ولا فعلك يحسب لغيرك، وليست إساءتك على غيرك، ولا إسآءة غيرك عليك، كل نفس بما كسبت رهينة.
  فالناس في فراق رمضان على قسمين: رجل يحزنه فراقه، لما يعلم أنه يفوته من ثوابه، وهذا هو المؤمن، الذي يؤثر فيه الصيام، ويستفيد من رمضان.
  ورجل يفرح لفراقه، لأنه لم يذق حلاوة الصوم والعبادة، ولم يجهد نفسه في الطاعة ليتذوق حلاوة المناجاة لله تعالى، وهذا هو الذي ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، ومن قيامه إلا السهر.
  هاهو شهر رمضان تتسارع أيامه في الإنقضاء، وتتسابق لياليه في الفناء، ونحن في غفلتنا ساهون، وفي غرتنا لاهون، نفرح بالأيام تنقضي، ونتسآءل عن أيامه كم منها قد بقي؟، لا من الأعمال الصالحة تزودنا، ولا عن تقصيرنا وتهاوننا أقلعنا، ولا من أخطائنا وخللنا أصلحنا، كم تفوتنا من الفرص، وكم نتجرع من الغصص، وكم نزداد من النقص.
  إنا لنفرح بالأيام نقطعها ... وكل يوم مضى يدني من الأجل
  لا عن قبيح مساوينا نتوب ولا ... نزداد خيراً لكي ننجو من الزلل
  يا لاهياً ليس يدري ما يراد به ... أصلح وبادر وتب أكثر من العمل
  يا غافلاً عن أمور صرت تجهلها ... أزل عن القلب ما غطاه من خطل
  يا ساهياً صرت عن أخراك منشغلاً ... فالعمر قد ضاع في الدنيا بلا ملل
  يا نائماً قطع الساعات ضيعها ... قم من سباتك واستيقظ من الكسل
  يا تاجراً ضاع رأس المال حين مضت ... أيام عمرك في لهو وفي خلل
  يا ساعياً طال في الدنيا له أمل ... أفق تنبه فإن السم في العسل