روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

35 - في آخر جمعة من شهر رمضان

صفحة 314 - الجزء 1

  إن من يظن أن خلافنَا مع اليهود هو حولَ قطعةٍ من الأرض أو نهرٍ من الماء فهو غبيٌ ومغفل من الدرجة الأولى، لا يفقه شيئاً من كتابِ الله، ويعاني من جمود فكري وأميةً فاضحةً في قراءةِ التاريخ وتتبعِ السير والأحداث.

  إن خلافنا مع اليهود خلافٌ عقائديٌ في الدرجة الأولى، ولن يلتقي الخلافان في وسطِ الطريق، ولن تكونَ هناك إيجاد أو مقاربة حلول، أو نقاط التقاء، أو عوامل مشتركة، فالحل الوحيد إما أن يسلَم اليهود، أو أن يتهودَ المسلمون، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}⁣[البقرة: ١٢٠].

  إن اليهود يريدون كلَّ شيءٍ في مقابلِ لا شيء، يريدون مزيداً من الهيمنة، ومزيداً من السيطرة، ومزيداً من الأراضي، ومزيداً من الانفتاحِ الاقتصادي، وفتحِ الأسواقِ لمنتجاتهم مقابلَ مزيدٍ من الإهانات، ومزيدِ من الإذلالات، ومزيدٍ من الصفعات! لمن؟ كلها للمسلمين.

  إن ما أخذ بالقوة لا يمكنُ أن يُستعادَ إلا بالقوة، أما التباكي والتشاكي إلى أعدائنا، أو الإلتجاء إليهم في قضايانا فهو حيلةُ البائسِ الضعيف، وليس طريقاً إلى إيجاد أي حلّ، لأن في ذلك إيجاد شرعية لهم، وقداسةِ فيما يصدرونه من قرارات.

  إن الطريقَ إلى القدس، واستعادةِ الأقصى الشريف، وإعادة مسرى رسول الله ÷ إلى حياض الإيمان، لا يكونُ بعقدِ مزيدِ من المؤتمرات العاجلة ولا الآجلة، ولا بعباراتِ الشجب والاستنكار، ولا بإرسال الوفودِ إلى العواصم الكبرى، لكسب عطفهم وتأييدهمِ، إن الطريقَ إلى القدس لا يكونُ إلا بالعودةِ الجادةِ إلى الإسلامِ، عقيدةً وشريعة ومنهجَ حياة، الطريقُ إلى القدس حين تعادُ إلى القرآن هيبتُه ومكانتُه، الطريق إلى القدس حين يعاد رفع رايات الجهاد في سبيل الله تعالى.

  إن المسلمين ينتظرون الفرج والنصر {وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ}⁣[الإسراء: ٥١]، ولا يقدمون الأسباب لذلك، إن الذي يقاتل لا يسأل متى هو؟ ولكن يقول: {عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا ٥١}⁣[الإسراء].