37 - غزوة الخندق (الأحزاب)
  إثارة تحول بينهم وبين اجتماعهم، كما فعلت جموع الأحزاب في تجمعهم على القضاء على الدين، رغم ما بينهم من الخلاف.
  ومن ذلك: أن نعلم جميعاً أن الله تعالى لابد أن يميز الخبيث من الطيب، وأن يبين الصالح من الطالح، وأن يفرق بين قوي الإيمان وثابت اليقين، وبين ضعيفه وصاحب الريب فيه، وبين من يتبع الحق عن بصيرة وتثبت، وبين من يقلد أو يتربص، ويبين تعالى حقيقة من يطلب بعمله الثواب والدار الآخرة، وبين من يكون هدفه وهم هو الدنيا، كما قال الله تعالى {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}[آل عمران: ١٧٩]، وكما يقول تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ١١}[الحج]، وقد تجسد هذا الإبتلاء والتمييز الشديد في غزوة الخندق، حيث كان موقف المؤمنين الصادقين الثابتين كما حكى الله عنهم، في قوله تعالى: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ٢٢}[الأحزاب]، بينما كان موقف المنافقين ومرضى القلوب بالعكس تماماً كما حكى الله تعالى عنهم بقوله: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ١٢}[الأحزاب]، وحكى الله تعالى موقف المخذِّلين والمعوقين والمرعبين، والناصحين المشفقين كذباً وزوراً في قوله تعالى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا ١٨ أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ١٩ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا ٢٠}[الأحزاب]، فما أشبه الليلة بالبارحة وقضية الأمس باليوم، فالقسمة هي القسمة، والحال في كل فريق ذلك الوقت هو الحال في هذا الزمان، وإنما تغير الأشخاص، وتغير الزمان.