التاسع: الخطب المتعلقة بشهر الحجة
  فنقول: يتجسد ذلك ويتضح من خلال ما يلي:
  الأول: أن الحج يعتبر درساً يتعلم منه المسلمُ أساسياتِ الخوفِ من الله، فإنه يمثل مشهداً تمثيليلاً، وصورةً تقريبيةً مصغرةً للإنتقال عن هذه الدار إلى الدار الأخرى، فإن خروجه من وطنه مسافراً كخروجه من بيته ومن بين أهله وأحبائه إلى مثواه الأخير، وخلعه لثياب الزينة وارتدائه ملابس التواضع والذل كلبسه لأكفانه، ووقوفه بعرفة في وسط تلك الحشود المتزاحمة المتضائقة كمشهد مصغر للوقوف في أرض المحشر، والنفرة إلى مزدلفة ومن مزدلفة إلى منى كالإنسياق والذهاب إما إلى السعادة وإما إلى الشقاوة، فيجعل الإنسان من ذلك عنواناً وسبيلاً إلى الخوف من الله ومراقبته.
  الثاني: الحج مشهد من المشاهد التي تجسد عظمة الله تعالى في أجلى دلالاتها وبراهينها، فالمسلم عندما يرى المسلمين مقبلين إلى تلك المشاهد الشريفة، والمشاعر المقدسة من كل أقطار الدنيا، وبلدان العالم، بصور مختلفة، وألوان متغايرة، وأحجام متباينة، وأصوات متفاوتة، ولغات متنافرة، يعبدون رباً واحداً، ويدعون إلهاً واحداً، وينادون خالقاً واحداً، في مكان واحد، وهو تعالى خالقهم ورازقهم ومقدر آجالهم وأقواتهم، فهو تعالى يعلمُ حوائجَهم المختلفة، ويسمع أدعيتهم المتباينة والمؤتلفة، ولا تلتبس عليه مناجاتهم، ولا تختلط عليه أصواتهم، ولا يسأم من ندائهم، ويعلم الدعوة وصاحبها، والحاجة وطالبها، فيعطي من شاء ويمنع من شاء، بدون أن يغلط في صوت أحد أو دعوة أحد أو حاجة أحد فيعطيها غيره، كل هذا تجسيد للعظمة الإلهية، وتقوية للروابط الإيمانية، وفقني الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا معاصيه.
  ﷽ {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٧}[البقرة]، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ووالديكم ولكافة إخواننا المؤمنين والمؤمنات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.