روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

39 - الحكمة من شرعية الحج

صفحة 352 - الجزء 1

  والحج يكتسب منه المسلم كثيراً من الآداب الفاضلة، والأخلاق القويمة، من تقويم اللسان، والإبتعاد عن الفواحش، كما قال تعالى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ١٩٧}⁣[البقرة].

  ومن الحج يتعلم المسلم كيف يتعامل مع المسلمين؟

  فإن الحج يتجلى في أبهى صور العدالة والمساواة بين المسلمين، وإلغاء الفوارق العنصرية، والعصبيات القبلية، والتميزات الجنسية، فالخلق خلق الله، والعبيد عبيد الله، وكلهم في قبضة الله، حيث فرض الله عليهم على مختلف طبقاتهم، وتفاوت مستوياتهم المعيشية، لباساً واحداً، لا تفرق فيه بين المالك والمملوك، ولا بين الغني والفقير، ولا بين الحر والعبد، ولا بين الملك والرعية، ولا بين المخلص والمرائي، ولا بين المؤمن والمنافق، فهذا يجعل الإنسان اللبيب ينزل نفسه منزلة العبد لربه، الذي لا يتعالى على أحد، ولا يتطاول على أحد، ولا يرى نفسه خيراً من أحد، فيزيل من نفسه شيئاً اسمه الكبر أو الفخر أو النخوة أو التعالي على عباد الله، فيعامل المسلمين كإخوة تربطه بهم علاقة الدين، التي هي أقوى العلاقات، إلى غير ذلك من الحكم التشريعية العظيمة.

  ولقد ركز النبي ~ وآله في حجة الوداع في خطبته الشهيرة على هذه الأمور وغيرها بأبلغ العبارات، وأوضح الإشارات، فركز على أساس المساواة الإنسانية من حيث مبدأ الوحدة وإلغاء التمايز القومي، وحسن معاملة النساء والعبيد، وعدم ظلمهم، ونبه على الأمور التي من خلالها يكون أساس وحدة الأمة الإسلامية من جهة إلغاء آثار الجاهلية ومآثرها وتشريعاتها المخالفة للإسلام، وتأكيد مبدأ الأخوة والتكافؤ بين المسلمين، واحترام الذات الشخصية الإنسانية وما تملكه، المتمثلة في تحريم أعراض المسلمين ودمائهم وكراماتهم وأموالهم على بعضهم، فإن من قال لا إله إلا الله، فقد عصم ماله ودمه وحسابه على الله، وبين أيضاً وحدة