روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثامن: الخطب المتعلقة بالأعياد

صفحة 405 - الجزء 1

  الواصلين وهو منقطع أن يقلق، ولمن شاهد السائرين إلى ديار الأحبة وهو قاعد أن يحزن.

  أيها الأحبة: إن حُبستم العام عن الحج فارجعوا إلى جهاد النفوس فإنه الجهاد الأكبر، وإن أُحصرتم عن أداء النُسُك فأريقوا على تخلفكم من الدموع ما تيسّر؛ فإن إراقة الدماء لازمة للمُحصر، ولا تحلقوا رؤوس أديانكم بالذنوب والخلاف؛ فإن الذنوب والخلاف حالقة للدين وليست حالقةً للشعر، وقوموا باستشعار الرجاء والخوف مقام القيام بأرجاء المشعر والخَيف، ومن كان قد بُعد عن حَرَمِ الله فلا يبعد نفسه عن رحمة الله بالدخول في حُرَم الله، ومَن فَاته في هذا العام القيامُ بعرفةَ، فَلْيَقُم للهِ بحقه الذي قد عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبَيِّتْ عزمه على طاعة الله وقد قَرَّبَهُ وأزلفَه، ومن لم يمكنه القيام بأرجاء الخَيف، فليقم لله بحق الرجاءِ والخوف، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هُنا وقد بلغ المُنى، ومن لم يصل إلى البيت لأنه منه بعيد، فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه ورجاه من حبل الوريد، وإن لم نصل إلى ديار الحجيج فلنصل انكسارنا بانكسارهم، وإن لم نقدر على الوقوف بعرفات فلنستدرك من أعمالنا ما قد فات، وإن لم نصل إلى الحَجَر فليلن منا كلُّ قلب قاسٍ كالحَجَر، وإن لم نقدر على ليلة جمع ومنى، فلنقم بمأتم الأسف هاهنا، أين المنيبُ المُجدُّ السابق؟ هذا يومُ يُرحمُ فيه الصادق، مَن لم يُنِبْ في هذا اليوم فمتى ينيب، ومن لم يُجب في هذا الوقت فمتى يجيب، ومن لم يتعرف بالتوبة فهو غريب، وا أسفا لعبد لم يُغْفَرْ له اليومَ ما جنى، حضر موسمُ الأفراح فما حصّل خيراً ولا اقتنى، ودخل بساتين الفلاح فما مد كفاً وما جنى، ليت شعري من منا خاب ومن منا نال المُنى؟.

  جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ١ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ ٢ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ ٣}⁣[الكوثر]، أستغفر الله لي ولكم ولوالدينا ووالديكم وللمؤمنين والمؤمنات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.