روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

3 - خطبة أخرى حول العبادة

صفحة 24 - الجزء 2

  سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ١٧١}⁣[الصافات]، وقال تعالى في نبيه نوح # {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ٣}⁣[الإسراء]، وقال في نبيه سليمان # {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ٣٠}⁣[ص]، وقال في نبيه أيوب # {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ٤٤}⁣[ص]، وقال في جماعة من أنبيائه {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ٤٥}⁣[ص]، فيا له من شرف باذخ، وعز شامخ، أن يجعلك الله من عبيده، وأن يقبلك بينهم، كما قال أمير المؤمنين علي # (كفاني فخراً أن تكون لي رباً، وكفاني عزاً أن أكونَ لك عبداً)، وقد تهدد الله تعالى وتوعد المتكبرين عن عبادته فقال {وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ١٧٢}⁣[النساء].

  أيها المؤمنون: العبادة الحقيقة، الكاملة التامة، تشتمل وتحتوي على ثلاثة معانٍ:

  الأول: معرفة الله تعالى معرفة خالصة، سليمة من الشوائب.

  والثاني: معرفة ما يرضيه وما يسخطه من الأقوال والأعمال.

  والثالث: اتباع ما يرضيه، واجتناب ما يسخطه.

  فهذه معاني العبادة، فالصلاة والصيام والحج والزكاة من العبادة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من العبادة، والجهاد في سبيل الله من العبادة، وطلب العلم والعملُ به من العبادة، وغيرها مما يرضي الله تعالى، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ~ في بعض مواعظه: «خلقنا ولم نك شيئاً، وأخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، فغذانا بلطفه، وأحيانا برزقه، وأطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، ووضع عنا الأقلام، وأزال عنا الآثام، فلم يكلفنا معرفة الحلال والحرام، حتى إذا أكمل لنا العقول، وسهل لنا السبيل، نصب لنا العَلَم والدليل، من سماء رفعها، وأرض وضعها، وشمس أطلعها، ورتوق فتقها، وعجائب خلقها، فعرفنا الخير من الشر، والنفع من الضر، والحسن من القبيح، والفاسد من الصحيح، والكذب من الصدق، والباطل من الحق، أرسل إلينا الرسل، وأنزل علينا الكتب، وبين لنا الحلال والحرام، والحدود والأحكام، فلما وصلت دعوته إلينا،