العاشر: الخطب المتعلقة بالعبادات والإخلاص
  وقامت حجته علينا؛ أمرنا ونهانا، وأنذرنا وحذرنا، ووعدنا وأوعدنا، فجعل لأهل طاعته الثواب، وعلى أهل معصيته العقاب، جزاء وافق أعمالهم، ونكالاً بسوء فعالهم {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ٤٦}[فصلت]».
  والعبادة لله تختلف بحسب معرفة العبد بربه، وبحسب الهدف والغاية التي يريدها من العبادة:
  فالعارف بالله معرفة قوية، الذي امتلأ قلبه حباً لله وتعظيماً، يعبد الله لأنه عرف وعلم وتيقن أن الله تعالى أهلٌ للعبادة، وعرف نعم الله عليه وأنه يجب عليه أن يشكرها، وأنه لا تمام للشكر إلا بالعبادة، فهو يعبد الله تعالى شكراً على النعم، وهذه أعلى درجات العبادة، التي قال الله تعالى {اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا}[سبأ: ١٣]، وكما قال النبي ÷ لما سئل عن كثرة عبادته لربه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فقال ~ وآله «أفلا أكون عبداً شكوراً»، وكما يقول أمير المؤمنين علي # في مناجاته لربه «ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا طمعاً في جنتك، ولكن عرفتك أهلاً للعبادة فعبدتك»، وهذه درجة قد لا يصل إليها في هذا الزمان أحد إلا خلاصة الخلاصة، وهي عبادة الأحرار، كما قال أمير المؤمنين علي # «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ شُكْراً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْأَحْرَارِ».
  والذي يخاف من النار، ويطمع في الجنة، يعبد الله تعالى توصلاً بعبادته إلى الثواب، وهرباً من العقاب، وهذه هي الدرجة الثانية من العبادة التي يكون صاحبُها ناجياً، وعند الله فائزاً رابحاً، وهي عبادة العبيد: لأن العبد يمتثل أمر سيده خوفاً من عقابه، أو عبادة التجار الذين يطلبون المزيد من الأرباح في تجارتهم مع الله، كما قال أمير المؤمنين علي # «إِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَغْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ التُّجَّارِ، وَإِنَّ قَوْماً عَبَدُوا اللَّهَ رَهْبَةً فَتِلْكَ عِبَادَةُ الْعَبِيدِ».