روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

4 - في معنى الإخلاص

صفحة 31 - الجزء 2

  الإخلاص، فقال: «أن تستقيمَ كما أُمرت»، فقد أشار في هذه المقالة إلى أن الأصل في الإخلاص هو إحرازُ التوحيد، والإستقامةُ على الأمر، وهو الأصل في إخلاص العمل عن كل ما يشوبهمن المحبطات، والإخلاص ينقسم إلى قسمين:

  أحدهما: إخلاص التوحيد لله، بإخلاص الإعتقاد، والثاني: إخلاص العمل، وهو إخلاص الإرادة.

  أما إخلاص التوحيد: فهو أن لا تكون واثقاً إلا بالله، ولا راجياً إلا لله، ولا راجعاً من المهمات إلا إليه تعالى، ولا مرتكناً في الأمور إلا عليه سبحانه وتعالى، تؤثر خوفه على خوف غيره، ورضاه على رضا غيره، وترضى بقضائه، وتصبر على بلائه، وتنقاد لأمره، وأن تُحضر في قلبك أن الله تبارك وتعالى هو النافع والضار، والمعطي والمانع، والرافع والواضع، ولا أحد من خلقه شاركه في ذلك، قال تعالى {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ}⁣[فاطر: ٢]، وقال تعالى {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ}⁣[يونس: ١٠٧]، وقال تعالى {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ١٦٠}⁣[آل عمران]، وقال تعالى {مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا ١٧}⁣[الكهف]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الله هو المنفرد بالإعطاء والمنع والدفع والوضع والنفع والضر.

  كما روي عن النبي ÷ أنه قال «واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يمنعوك شيئاً أراد الله أن يصيبك به، لم يقدروا على ذلك»، فإذا استحضر المؤمن في قلبه ذلك دعاه ذلك إلى الإنقطاع إلى الله تعالى وتركِ كل ما سواه، فحينئذ تكون واثقاً بالله دون غيره من جميع الأشياء، فلا تثق بمالك ولا بولدك ولا بأهلك ولا بقوتك ولا بتدبيرك وفطنتك وحذقك وحيلتك وكدك وطلبك ولا بشيء من الأسباب التي يُتوصل بها إلى المنافع ودفعِ المضار، فإنما الأسباب بيد الله سبحانه والأمر كله لله عليه توكلت وإليه أنيب، فقد يوجد السبب ولا يوجد المسبَّب، وإنما ذلك بمشيئة الله وإرادته.