روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

العاشر: الخطب المتعلقة بالعبادات والإخلاص

صفحة 37 - الجزء 2

  للموت وانخداعُه بالأسباب، وركونُه إلى القوة والشباب، وميلُه إلى الضحك واللهو، وغفلتُه عما يُراد منه من الموت الذريعِ المُريع، والهلاكِ السريع.

  ويتذكر الإنسان ما يؤولُ إليه بعد الموت، كيف تهدمت رجلاه ومفاصلُه بعد طولِ مشيه بهما، وتردده في حوائج الدنيا، وكيف أكل الدودُ لسانه بعد كثرة نطقهِ به وفصاحته وضحكه.

  ويتذكر كيف يقطع الموت أمَلَه، فبينما هو يدبر لنفسه ما يحتاج إليه مدة عشرين سنة أو أكثر أو أقل في وقت لم يكن بينه وبين الموت إلا شهراً واحداً أو أكثر أو أقل من ذلك، وهو غافل عما يُراد به، فيقطعه الموت عن ذلك كله.

  فهذه الأمور هي التي تُحدِثُ ذكرَ الموت في القلب حتى يغلبَ عليه، بحيث يصير الموتُ نصبَ عينيه، فعند ذلك يستعد له ويخلو عن دار الغرور، ومهما طلبَ قلبُه شيئاً من الدنيا فعليه أن يذكر أنه لا بد من مفارقته، وأن يتصورَ أحوال نفسه عند الغرغرة، والنزاع عند مفارقة الروح للجسد، وكيف يبدو بين أهله طريحاً ذليلاً، وكيف أحوالُ أهلِه وأيتامِه، كيف يبكون عليه ويندبونه، وكيف يأخذون عليه ثياب الدنيا، وكيف يطرحونه على المغتسل، وكيف يلفونه في الكفن وينزلونه في القبر، وكيف يَبلى هناك، وكيف تنبعث الدواب من الديدان والحيات في لحمه وجلده، ويتذكر أيضاً ما يرد عليه حال الموت من البشارة بجنة أو نار، ويتفكر كيف تهجم عليه شقاوة أو سعادة، وأن الموت آخر ما هو فيه من أحوال الدنيا، فإن كان إلى خير فلا يضره ما ناله في الدنيا من الشر، وإن كان إلى شر فلا ينفعه ما نال من الدنيا من خير، فإذا تفكر في هذه الأمور والأحوال هانت عليه الدنيا ومصائبها ولذاتها وخيرها وشرها، ووقع في قلبه الخوف والحزن، واهتم لأمر الآخرة، واستعد للموت، وتأهب لنزوله.