5 - حول حقيقة محبة الله
  والمشكلةُ الخَطِيْرَةُ هي أنْ يكونَ الهوَى هو الذي يُسَيِّرُ الإنسانَ في حُبِّ النَّاسِ وبغضِهِم، ويجعلُ الإنسانَ يَحْكُمُ تَبَعَ أغراضِهِ في الرِّضَا عن الناسِ أو كُرهِهِم، ولا يُوَجِّهُ حُبَّهُ وبُغضَهُ إلى طريقِ الحقِّ والدينِ والعقلِ.
  ولكنَّ اللهَ تعالَى جَعَلَ في الإسلامِ ميزَانَاً ومِعيارَاً لمقياسِ الحُبِّ والبُغضِ، ووَضَعَ حُدُودَاً للرضا والسَّخَطِ، حتى تُرعَى الحقوقُ ولا تَضيعُ، فَبَدَلَاً من أن يكونَ الحبُّ أو البغضُ سِلَاحَاً من أَسلِحَةِ الشَّرِّ تَحْكُمُهُ الأهواءُ والشهَوَاتُ، وتتولدُ عنه العَدَاوَاتُ والنزغَاتُ، علينَا أَنْ نجعلَ الحُبَّ والبغضَ من أسلحةِ الحقِّ والعَدلِ التي تَحكُمُهَا الآياتُ البَيِّنَاتُ.
  فالميزانُ الحقُّ في ذلك أن يكونَ الحبُّ والبغضُ لله، ومِن أجلِ اللهِ، فَتُحِبُّ للهِ وتُبغِضُ في الله، تُحبُّ المؤمنينَ الصَّالِحِينَ، وتَبغَضُ العُصَاةَ والمفسدِينَ، تُحِبُّ أولياءَ اللهِ، وتبغضُ أعداءَ اللهِ، تُحِبُّ مَن أحبَّ اللهَ ولو خَالَفَ آرآءَكَ وهَوَاكَ، وتبغضُ من يَبغضُهُ اللهُ ولو واَفقَكَ أَحيانَاً، كَمَا قَالَ النبيُّ ÷ «مَنْ أَحَبَّ للهِ، وأَبْغَضَ للهِ، وأَعْطَى للهِ، ومَنَعَ للهِ، فَقَدْ استَكْمَلَ الإيمَانَ».
  وَعَنْ ابنِ عَبَّاسٍ ® قالَ: (مَن أَحَبَّ في اللهِ، وأبغضَ في اللهِ، ووالى في اللهِ، وعادَى في اللهِ، فَإِنمَّا تُنَالُ ولايةُ الله بذلك، ولنْ يَجِدَ عبدٌ طَعْمَ الإيمانِ ولو كَثُرَتْ صلَاتُهُ وصومُهُ حتى يَكونَ كذلِك، وقد صَارَت عادَةُ مؤاخَاةِ النَّاسِ على أمرِ الدُّنياَ وذَلِك لا يُجدِي على أهلهِ شَيئَاً).
  وأَعظَمُ المحبةِ وأنفَعُها، هي محبةُ العبدِ لرَبِّهِ، ومحبةُ اللهِ لعبدِه، فمِن خِلَالِهَا يَبتَنِي الحُبُّ الصحِيحُ، فَلَا يُمكِنُ أن يَبتَدِئَ الحُبُّ السَّلِيمُ إلا من خِلَالِ حُبِّنَا للهِ تَعَالَى، فَحُبُّ اللهِ يَجِبُ أن يكونَ هُو الأساسُ عندَ العَبدِ، لأنّ أولَ مقياسٍ في حياةِ الإنسانِ هو عَلاقَتُهُ بِرَبِّه، ومن ثَمّ تَبتَنِي عليهَا عَلاقَتُهُ مع النَّاسِ.
  أيها المؤمنون: نَحنُ نَفتَقِدُ في حَيَاتِنَا وفي مُعَامَلَاتِنَا معنى محبَّةِ اللهِ تعالَى، بَلْ تَكَادُ تكونُ قلوبُنَا خَالِيَةً عن ذَلِكَ، ولِهَذَا نَرَى من أنفُسِنَا، ونُلَاحِظُ من أحوالِنَا أَنَّنَا نَفْقِدُ