العاشر: الخطب المتعلقة بالعبادات والإخلاص
  حَلَاوَةَ محبةِ الله، ويَتَجَسَّدُ ذَلِكَ في عِبَادَاتِنَا ومُعَامَلَاتِنَا التي نَقُومُ بِهَا، فَإِنَّنا أصبَحنَا لا نقومُ بأكثرِ العباداتِ والطاعاتِ لِأَنَّهَا عِبَادَة، بل قد تَحَوَّلَتْ عِندَنَا إلى عَادَةٍ، فقد أَصبحنَا نَدخُلُ المساجِدَ، ونُكَبِّرُ وَرَاءَ الإمامِ، ونَقُومُ بأدَاءِ الركعَاتِ، ثُمَّ نُسَلِّمُ ونحنُ لَمْ نَفْقَهْ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ شَيْئَاً.
  وَإِذَا جَاءَ شهرً الصِّيَامِ يَتَنَاوَلُ الوَاحِدُ منَّا السحورَ للصيامِ في النهارِ، ثُمَّ إذَا دَخَلَ الليلُ يُفطِرُ، وهَكذَا يَمُرُّ شهرُ رمضانَ ولم نَسْتَفِدْ من الصيامِ شيئاً.
  والسَّبَبُ في ذَلِكَ: هُوَ أَنَّنَا نتمَسَّكُ ونَلْتَزِمُ بالعباداتِ على غيرِ أَسَاسٍ صَحِيحٍ؛ نَتَمَسَّكُ بِهَا تَقلِيدَاً لَا مَحَبَّةً للهِ ø، فنحنُ نرى مَن حولنا يَصُلونَ فنُصَلِّي، ويَصومُونَ فنَصُومُ، ويفعلُونَ فنفعلُ، ويتركونَ فنتُركُ، كلُّ ذلكَ تقلِيدَاً لا حُبَّاً في اللهِ ø، فبَعد فترةٍ من الزمنِ يَنتَكِسُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ ويَنقَلِبُ على عَقِبَيهِ.
  فَلَا بُدّ من أن نُصَحِّحَ الإلتزامَ بقوانينِ الإسلامِ، ونُصَحِّحَ طريقَ السَّيرِ إلى اللهِ تعالى، مِن خِلَالِ محبتنا للهِ تعالى.
  فالمحبة: هي رُوحُ الإيمانِ والأعمالِ، فَإذَا خَلَت منها فهي كالجسدِ الذي لا رُوحَ فِيه، لأنَّ العبادةَ التي ليس فيها محبَّةٌ، كالجسد الذي لا روح فيه، تَدْخُلُ وتَخرجُ بدون أَيِّ تَأثِيرٍ.
  المَحَبَّةُ: هِي المنِزلَةُ التي فِيهَا يَتَنَافَسُ المتنَافِسُونَ، وإليهَا شَخَصَ العامِلُونَ، وإلى عَلَمِهَا شَمَّر السَّابِقُونَ، وعليها تفَانى المُخْلِصُونَ، وبِرُوحِ نَسيمِهَا تَروَّحَ العَابدونَ، فَهِيَ قُوتُ القُلُوبِ، محبةُ اللهِ هي الوَقُودُ والدَّافِعُ للأعمال، وَهِيَ غِذاءُ الأرْوَاحِ، وقرَّةُ العُيُونِ، وهي الحياةُ التي مَن حُرِمَها فهو في جملةِ الأمواتِ، والنورُ الذي مَن فَقَدَه فهو في بِحَارِ الظلمَاتِ، والشِّفَاءُ الذي مَن عَدِمَهُ حَلَّت به أنواعُ الأسقَامِ، واللذَّةُ التي مَن لم يَظفَرْ بِهَا فَعَيْشُهُ كُلُّهُ هُمُومٌ وآلَامٌ، وهي المَطِيَّةُ التي يَصِلُ المُحِبُّونَ إلَى مَسرَاهُم على مَتْنِها إلى الحَبِيبِ، وهي الطريقُ الأقوم الَّذِي يُبَلِّغُهُم إلى منَازِلِ نَجَاتِهم عن قَرِيب، هِي المنزِلةُ التي ذهبَ أهلُها بشَرَفِ الدنيَا والآخِرَةِ.