روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

العاشر: الخطب المتعلقة بالعبادات والإخلاص

صفحة 43 - الجزء 2

  قومٌ إذا رَقدَ العيونُ رأيتَهم ... صَفُّوا لشدةِ خوفه أقداما

  وتخالُهم موتى لطولِ سُجُودِهم ... يخشونَ من نارِ الإله غرامَا

  شُغفوا بحبِّ الله طولَ حياتِهِم ... فتَجَنَّبُوا لودَادِهِ آثامَا

  ولهذَا فإنَّ الله تعالى أمرَ المؤمنين بذكره حتى في حالِ لقاءِ العدو، في حَالِ الخوفِ التي ينسَى الإنسانُ معها كلَّ شيء، ويكونُ الهربُ أكبرَ همِّهِ لِيَقِيَ بِهِ نفسهُ من الهلاك، ففي تلك الحالِ الصعبةِ لن تَتَذَكَّرَ إلَّا من تُحِبُّ، فإذَا كانت محبةُ الله ثابتةً في النفس، ومغروسةً في القلب، فلن ينسى العبدُ ربَّه.

  والذي يجعلُ العبدَ بهذه المكانة والمنزلة هو تفكُّره في نعم اللهِ عليهِ، لِأَنَّ النَّفسَ تُحِبُّ مَن أَحسنَ إليهَا، فإذَا نظرنا في إحسانِ اللهِ إلينَا، فَكَمْ سَنُحصِي من النِّعَم، وكم سَنَعُدُّ من الإحسان، فَإِذا تَيَقَّنَ الإنسانُ أنَّ النعمَ التي في يدِهِ حاصلةٌ من جهةِ اللهِ تعَالَى فإنَّهُ سيُحِبُّ الله، ولَكِنَّ المشكلةَ التي نُعانِي منهَا، هي أننا نجعلُ ما يحصلُ لنا من الأرزاق بقوَّتِنا وحيلَتِنَا وكدِّنَا وتعبِنَا، فأَدَى ذَلِكَ إلى أن نجهَلَ نعمَ اللهِ علينا، وأنْ نًؤثِرَ دنيانَا وأموالَنا على طاعةِ اللهِ ورضوانِهِ، فهذه الحالةُ الخطيرةُ التي وَصَلْنَا إليهَا هي السَّبَبُ في فقداننا لمحبةِ اللهِ، بل أصبحنَا نُحِبُّ أنفسَنا ونُوَفِّرُ لهَا وسائِلَ الراحةِ في مقابِلِ أن لا نُتعِبَهَا في الطاعة.

  وَفَّقَنا اللهُ وإياكُم لما يرضِيهِ، وجَنَّبَنَا مَعَاصِيه، وجَعلنَا من الذينَ يستمعُونَ القولَ فيتبعُونَ أَحسنَهُ.

   {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ٢٤}⁣[التوبة]، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.