العاشر: الخطب المتعلقة بالعبادات والإخلاص
  وكلّما ازدادَ الإنسانُ حبّاً لله، ازدادَ منزلةً منه ومَوقِعَاً عندَه، ولهذا رُويَ عن جعفرِ الصّادقِ أنَّهُ قالَ «مَن أَرادَ أَنْ يَعْرِفَ كيفَ منزلتَهُ عندَ اللهِ، فليعرِفْ كيفَ منزلةُ اللهِ عندَه، فإنّ اللهَ يُنزلُ العبدَ مثلَ مَا يُنَزِّلُ العبدُ اللهَ من نفسِهِ».
  أيها المؤمنون: مَحَبّةُ اللهِ ليست مُجَرَّدَ دَعوَى بَلَا دَلِيلٍ، بل لها عَلَامَاتٌ ودَلَالَاتٌ تَدُلُّ عليهَا:
  فَمِن عَلَامَاتِهَا: اتباعُ الرسولِ ÷، والإهتداءُ بهديِهِ، كَمَا قال تعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}[آل عمران: ٣١]، فلا يُمكنُ لإنسانٍ أن يَدَّعِيَ حبَّ اللهِ وهو لا يَلتَزِمُ بما جَاءَ بهِ رَسُولُه ÷، فليسَ حُبُّ اللهِ مجردَ مشاعرَ تَستولِي على كَيانِ الإنسانِ، من دُونِ أن يكونَ لهُ ترجمةٌ على الأرضِ بالأفعَالِ، فالحُبُّ الذي يبقَى في المشاعِرِ والعواطِفِ ولا يتحرّكُ في ساحَةِ الحيَاةِ، ليَسَ حُبَّاً حَقِيقِيَّاً، ولِهَذَا قالَ النبيُّ ÷ «لَا يُؤمِنُ أحدُكُم حَتَّى أكونَ أَحَبَّ إليهِ من وَلَدِهِ ووالدِه والناسِ أجمعين»، فَمَحَبَّةُ رسولِ اللهِ ÷ تابعةٌ لمحبةِ الله.
  فَلَا تَتِمُّ المحبةُ إلا بِطَاعَةِ اللهِ ورسولِه، لِأَنَّ الطَّاعَةَ دَلِيلٌ على المحبَّةِ، فالعَاصِي لَيسَ مُحِبَّاً:
  تعصي الإله وأنت تزعم حبه ... هذا مُحالٌ في الفِعَّالِ بديعُ
  لو كان حبك صادقاً لأطعته ... إن المحبَّ لمن أحب مطيعُ
  ومِن عَلامَاتِ محبةِ العبدِ لربِّه: الإكثارُ من الحمدِ لَه تعالى والثناءِ على نِعمِهِ، والإستمرارُ والمداوَمَةُ على ذِكرِه، فإنَّ من أّحَبَّ شيئاً أكثرَ من ذِكرِهِ، ولَهَجَ بِهِ، ولايَزَالُ يَتَرَنَّمُ بالثناءِ والمدحِ لَهُ:
  إِنَّ المليكَ قد اصطفى خُدّاماً ... مُتودِّدِينَ مُوطِّئينَ كِرَامَا
  رُزِقوا المحبةَ والخشوعَ لربهم ... فترى دموعَهم تَسِحُّ سِجامَا
  يُحيُونَ لَيلَهُمُ بطولِ صَلَاتهم ... لَايسأمونَ إذَا الأنامُ نِيَامَا