روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

9 - قسوة القلوب وعلاجها

صفحة 84 - الجزء 2

  المراحل؛ لأنّ القلبَ حينئذٍ لا تنفعه المواعظُ، ولا تؤثرُ فيه العبرُ، بل قد ينتقلُ صاحِبُه من الإيمان إلى ضدِّه.

  ومما يهيج أمراض القلوب الحالةُ التي نَعِيشُها في هذا الزمانِ المَلِيْءِ بما يَصُدُّ ويُلهي عن طاعةِ اللهِ، ويُقفلُ القلوبَ عما ينفعها، ويسبب في غفلتها عن الله تعالى، فإن الآفاتَ في هذا الزمان، والأمراضَ في هذا العصر كثيرةٌ لا تحصى، فمنها ما هو على الأبدان، ومنها ما هو على القلوب والأديان، وهو أشد فتكاً وخطراً.

  ومن أشدِّ الأمراض التي تصيب القلوب مرض قسوة القلب، وهو مرض خطير تنشأ عنه أمراض، وتظهر له أعراض، ولا يكاد يسلم من هذا المرض إلا القليل ممن سلمه الله وأخذَ بالأسباب، فيا ترى ما هو هذا المرض؟ وما هي علاماته وأعراضه؟ وكيف يمكن توقيه العلاج؟.

  أيها المؤمنون: القَسْوَةُ في القَلْبِ هِي غِلْظَتُهُ ونَبْوَتُهُ عَنِ اتِّبَاعِ الحَقِّ وَإِعْرَاضُهُ عَنْهُ، وَهِي عِقَابٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى يَصُبُّهُ ويُنْزِلُهُ عَلَى المُعْرِضِينَ عَنْ شَرْعِهِ وعبادتِهِ، المُبْتَعِدِينَ عَنْ هَدْيِهِ وَدِينِهِ وطاعَتهِ، كما قال تعالى {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا ١٥٥}⁣[النساء].

  إِنَّ مَنِ اسْتَغْرَقَ في المَعَاصِي وَالآثَامِ، ونَقَضَ مَوَاثِيقَهُ مَعَ اللهِ طَرَدَهُ مِنْ صُفُوفِ أَهْلِ التَّقْوَى، وَأَبْعَدَهُ عَنْ مَهَابِطِ رَحْمَتِهِ، حَتَّى يَقْسُوَ قَلْبُهُ ويَعْلُوهُ الرَّانُ والظُّلْمَةُ، عقوبة من الله تعالى له على سوء أفعاله، كما روي عن بعض الصالحين أنه قال: (مَا ضُرِبَ عَبْدٌ بعُقُوبَةٍ أَعْظَمُ مِنْ قَسْوَةِ قَلْبٍ، ومَا غَضِبَ اللهُ عَلَى قَوْمٍ إِلاَّ نَزَعَ الرَّحْمَةَ مِنْ قُلُوبِهِم).

  إِنَّ مَن يَطُولُ عَلَيه العَهْدُ وَهِو يَتَقَلَّبُ في النِّعَمِ عَلَى فِسْقٍ وَمَعْصِيَةٍ وَنِسْيَانٍ لِرَبِّهَ، وَابْتِعَادٍ عَنْ دِينِهِ، لاَ يلْبَثُ أَنْ تعْتَرِيَهَ أَمْرَاضُ النُّفُوسِ وَأَدْوَاءُ القُلُوبِ، فَيَقْسُوَ قَلْبُهُ، فَلاَ يخْشَعُ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ، كما قال تعالى {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ