روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثاني عشر: الخطب المتعلقة بأمراض القلوب

صفحة 85 - الجزء 2

  كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ٧٤}⁣[البقرة].

  فقد شبه الله تعالى القلوب بالحجارة، بل إن القلب القاسي أشد صلابة من الحجارة، ووجه التشبيه بين القلوب والحجارة، هو عدم الإنتفاع واللين، وعدم الخشوع لله والخشية منه.

  وقد يقول القائل: كيف أعرف أعراض هذه القسوة، وأنها موجودة في قلبي؟

  فالجواب: للقسوة أعراض وعلامات، إذا وجدتها في نفسك فاعلم أن قلبك قد صار قاسياً، غافلاً لاهياً، وهذه الأعراض تتفاوت وتختلف من شخص لآخر، فمن أعراضها:

  الأول: التكاسلُ عن الطاعات وأعمالِ الخير، بل ربما يفرط فيها، فهو يعتبرُ الصلاةَ مجردَ حركات من قيام وقعود، وركوع وسجود، يقوم بها بلا خشوع ولا خضوع، ولا يستحضر قلبه في أذكارها، بل يضيق بها ذرعاً، كأنه يحمل فوق ظهره ثقلاً، وهو يريد التخلص منه سريعاً، وكأنه في سجن يريد الخروج منه، وقد جعل الله هذه الصفة من صفات المنافقين فقال: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ ٥٤}⁣[التوبة]، وقال تعالى {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى}⁣[النساء: ١٤٢].

  الثاني: عدمُ التأثر بآيات القرآن الكريم والمواعظ، فهو يسمع آيات الوعد والوعيد فلا يتأثر ولا يخشع قلبه ولا يخبت ولا ينيب، بل ويغفل عن قراءة القرآن وعن سماعه، ويجد ثقلاً ومللاً من ذلك، ويعجل الإنصراف عنه، مع أن الله تعالى يقول: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ٤٥}⁣[ق]، ومدح الله المؤمنين بقوله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ٢}⁣[الأنفال].

  الثالث: إذا قسى القلبُ أصبح لا يتأثرُ بشيء مما يدور حوله من الحوادث والمزعجات، كالموت والآيات الكونية، والعجائب التي تمر عليه بين حين وآخر، فهو يرى الأموات ويمشي في المقابر وكأن شيئاً لم يكن، وكفى بالموت واعظاً، ومن لم يتعظ بالموت فلا