روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثاني عشر: الخطب المتعلقة بأمراض القلوب

صفحة 91 - الجزء 2

  بفكر حاضر، إلا وجدته رقيق القلب، مقشعر الجلد من خشية الله، كما قال تعالى {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ٢٣}⁣[الزمر]، وقال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ٢٤}⁣[محمد].

  الثاني: تذكر الموت وما بعده من الأهوال، من سؤال القبر وظلمته ووحشته وضيقه، وأهوال الموت وسكراته، ومشاهدة أحوال المحتضرين وحضور الجنائز، فإن هذا مما يوقظ النفس من رقدتها، وينبهها من غفلتها، فتعود إلى ربها وترق، ولهذا كان النبي ÷ يوصي أصحابه بذكر الموت في أحاديث كثيرة، منها قوله ÷ «أكثروا من ذكر هادم اللذات»، لأن القلب إذا فارق ذكر الموت فسد وقسى.

  ومما يزيل القسوة: زيارة القبور والتفكر في حال أهلها، وكيف صارت أجسادهم تحت التراب، وكيف كانوا يأكلون ويتمتعون ويلبسون، فأصبحوا تحت التراب في قبورهم، وتركوا ما ملكوا من أموال وبنين، ويتذكر أنه قريباً سيكون بينهم، وأنّ مآلَه هو مآلُهم، ومصيرَه هو مصيرُهم، فزيارة القبور عظة وعبرة، وتذكير وتنبيه لأهل الغفلة، ولهذا قال النبي ÷ «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب، وتدمع العين، وتذكر الآخرة، ولا تقولوا هُجراً»، ومن نظر إلى القبور وإلى أحوال أهلها انكسر قلبه ورق، وذهب ما به من القسوة والغفلة، وأقبل على ربه إقبال صدق وإخبات.

  ومن علاج داء القسوة الدعاء والتضرع إلى الله تعالى في إزالة ما به، وتصفية باطنه، كما قال تعالى {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠}⁣[غافر].

  وفقني الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا معاصيه، وجعلنا من أهل القلوب الواعية، التي تعرف المعروف فتتبعه، وتنكر المنكر فتجتنبه.