10 - حول الإعراض عن الله تعالى ودينه
  أيها المؤمنون: إنّ الإعراضَ عن الله تعالى له مراتبٌ، فقد يكون الإعراضُ بالبعد عن دين الله، أو بالاعتراضِ على أحكام الله، أو بالإستنكاف والإستكبار عن الشريعة الإلهية، أو بالبعد عن هدي القرآن، أو بالصدود عن الناصحين الواعظين بالقرآن.
  وقد ذكر الله تعالى هذا المرض في آيات كثيرة من القرآن، وسماه بأسماء متعددة، فسماه إعراضاً في قوله تعالى {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}[الشورى: ٤٨]، وَيُسَمَّى الْإِعْرَاضُ تُوَلِّيَاً، كما قال تعالى {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ٨٢}[النحل]، وَيُسَمَّى صُدُوْدَاً، كما قال تعالى {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ٦١}[النساء]، وَيُسَمَّى أُفُوْكَاً كما قال تعالى {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ٩}[الذاريات]، وَيُسَمَّى إِدْبَارَاً كما قال تعالى {ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ ٢٣}[المدثر]، وَالْقُرْآَنُ مَلِيْءٌ بِالْإِخْبَارِ عَنْ الْمُعْرِضِيْنَ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَوْصَافِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ وَعَاقِبَتِهِمْ.
  فَالْإِعْرَاضُ: هو صرف الوجه عن الشيء كراهة له، وأما هنا فهو تركُ التطبيقِ والعملِ ببعضِ أَجْزَاءٍ مِنَ الْشَّرِيْعَةِ، لأنها لَا تُوَافِقُ هَوَى فردٍ أو جَمَاعَةٍ، فَيُعْرِضُ عَنْ حُكْمٍ لَا يُرِيْدُهُ، وَيَرُدُّ مَا فِيْهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ إِمَّا رَدَّاً مُبَاشِرَاً، وَإِمَّا بِتَأْوِيْلِهَا وَتَحْرِيْفِ مَعَانِيْهَا، وَإِمَّا بِضَرْبِ مُحْكَمِهَا بِمُتَشَابِهِهَا، وإما بالإستهزاءِ والإستهتارِ بها.
  وَأَكْثَرُ الْمُعْرِضِيْنَ يعرضون عَنْ الله تَعَالَىْ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، فيُكَذِّبُوْنَ بِآَيَاتِ الله تَعَالَىْ وَيُعْرِضُوْنَ عَنِ دِيْنِهِ، كما قال تعالى {وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ٤ فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ}[الأنعام: ٤ - ٥]، وكما قال تعالى {وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ٨١}[الحجر]، وقال تعالى {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ ٧١}[المؤمنون]، وَيَتَكَرَّرُ مِنْهُمْ الْإِعْرَاضُ مَعَ كُلِّ آَيَةٍ قُرْآنِيَّةِ يُوْعَظُونَ بِهَا كما قال الله تعالى {وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ٥}[الشعراء].
  وقد أزال اللهُ عذرَهم، بإقامةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ؛ فالْخَلَلُ فِيْهِمْ حين لم يقبلوا ما جَاءَ عن اللهِ بكُلِّ رضى وانقياد، وَفِيْ أَسْمَاعِهِمْ حيث لَمْ تَسْتَمِعْ لَآيَاتِهِ الْقُرْآنِيَّةِ، وَفي أَبْصَارِهِمْ حِيْنَ لَمْ تُبْصِرْ أَعْيُنُهُمْ آَيَاتِ الله تَعَالَىْ الْكَوْنِيَّةِ، وَفي عُقُوْلِهمْ إذ لَمْ تُذْعِنْ قُلُوْبُهُمْ للهُ