الثاني عشر: الخطب المتعلقة بأمراض القلوب
  اعْتِرَاضُ الْشَّخْصِ عَلَى أَحْكَامِ الْشَّرِيِعَةِ وِرْدِّهَا وَتَأْوِيْلِهَا كَانَ ذَلِكَ دَلِيْلاً عَلَىَ مَرَضِ قَلْبِهِ بِالْنِّفَاقِ؛ كَمَا أَخْبَرَ اللهُ تَعَالَىْ عَنْ الْمُنَافِقِيْنَ فِيْ الْعَهْدِ الْنَّبَوِيِّ وَمَيَّزَهُمْ بِكَثْرَةِ اعْتِرَاضَاتِهِمْ عَلَى أَحْكَامِهِ سُبْحَانَهُ وَأَحْكَامِ رَسُوْلِهِ ÷.
  ومن هذا القسم: أن يُذْعِنُ الرجلُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ لِلشَرِيْعَةِ وللحقِّ؛ لَكِنَّهُ يَعْتَرِضُ عَلَىَ بَعْضِهَا إِمَّا جَهْلِاً، أَوْ لَهَوَىً فِيْ نَفْسِهِ، أَوْ تَقْلِيْدَاً لِأَهْلِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى، أو يخرجهُ تعصبُه عن القبول، وَهَذَا عَلَى خَطَرٍ عَظِيْمٍ أَنْ يُصَابَ بِفِتْنَةٍ أَوْ عَذَابٍ عَاجِلٍ؛ كما قال الله تَعَالَىْ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣}[النور].
  والقسم الرابع: الذين يعرفون الحقّ، ولكن في وقت الشدة والبلاء فقط، أما في وقت النعمة والرخاء فغافلون معرضون، قال الله حاكياً عن أهل هذا الصنف {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ ٥١}[فصلت].
  والقسم الخامس: الإعراض الذي يقع مِنَ أكثر الْنَّاسِ، وهو الإعراض عَنِ الْمَوَاعِظِ وَالتَّذْكِيْرِ، وَالاشْمَئِزاز مِنْهَا، ومن الاسْتِمَاعَ إِلَيْهَا، وَهَذَا الإعراض فِيْهِ تشَبُّهٌ بِالْمُشْرِكِيْنَ وَالْمُنَافِقِيْنَ، وَيُخْشَى عَلَى صاحبه مِنْ سُوْءِ الْعَاقِبَةَ، وَشُؤْمِ الْخَاتِمَةِ، فَقَدْ وَصَفَ اللهُ تَعَالَىْ الْمُشْرِكِيْنَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ٤٥}[الزمر]، وَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُمْ يَفِرُّوْنَ مِنَ الْمَوَاعِظِ كفِرَارِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ مِنْ رُمَاتِهَا الذين يصطادونها، أَوْ كفرارها مِنَ الْأُسْدِ الهاجم عليها لِئَلَّا تَفْتَرِسَهَا، كما قال تعالى {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ ٤٩ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ ٥٠ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ ٥١}[المدثر].
  وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْمَوَاعِظِ وَالتَّذْكِيْرِ بِكَلَامِ الله تَعَالَىْ وَكَلَامِ رَسُوْلِهِ ÷ سَبَبٌ لِإِعْرَاضِ الله تَعَالَىْ عَنِ الْعَبْدِ؛ كَمَا روي أَنَّ رَسُوْلَ الله ÷ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِيْ الْمَسْجِدِ وَالْنَّاسُ مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ اثْنَانِ إِلَىَ رَسُوْلِ الله ﷺ وَذَهَبَ وَاحِدٌ، قَالَ: فَوَقَفَا عَلَى رَسُوْلِ الله ÷