روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثاني عشر: الخطب المتعلقة بأمراض القلوب

صفحة 105 - الجزء 2

  فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ٣٩ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ٤٠}⁣[العنكبوت].

  فالكبر أيها المؤمنون: مهلكةٌ وأيُّ مهلكة، فالمتكبر يصرفه العزيز الجبار عن تدبر آياته يقول تعالى: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ١٤٦}⁣[الأعراف]، المتكبر يختم الله على قلبه فلا يميز بين الحق والباطل، كما قال تعالى: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ ٣٥}⁣[غافر]، فالكبر من أخلاق الكفار والفراعنة، وليس من أخلاق الأنبياء والصالحين، لأن الله تعالى يقول في وصف الكفار بالكبر {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ٣٥}⁣[الصافات]، وقال تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ٢٣}⁣[النحل]، وقال تعالى {فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ ٧٥}⁣[يونس].

  أيها المؤمنون: الكبر مرض في القلب، وإحساس بالعظمة في النفس، تظهر علاماته على الجوارح، وتنعكس صورته في المعاملات، الكبر خُلقٌ يُزَيِّنُه الشيطانُ لضعفاءِ النفوس ومرضى القلوب، فينفُخُ فيهم حتى ينتفخ أحدهم ويرتفع كالبالون، فيحسب أنه على شيء، فتتلاعب به الأهواء، ويكون عرضة للسقوط والتلاشي في أي لحظة، هذا الخُلُقُ وهذا المرضُ فسره لنا خيرُ البرية صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله بقوله: «الكِبرُ بَطَرُ الحقِ وغَمطُ الخَلْقِ»، فالمتكبر يردُّ الحقَّ ويرفُضه ولا يقبله مهما كان مصدرُه، وسواء كان على يدي الصغير أو الكبير أو الجليل أو الحقير، ويرى من نفسه أنه الأعلى، فهو يغمط الناس: أي يستحقرهم ويستهين بهم، وينظر إليهم نظرة احتقار وازدراء.

  الكبر درجات بعضها أشد من بعض: فأعظم درجاته الكبر على الله وعلى رسوله ÷، والكبر عن قبول الحق، وهذا من أشد درجات الكبر التي توصل المتكبر إلى الكفر.