روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

12 - خطبة حول العلم وفضله

صفحة 113 - الجزء 2

١٢ - خطبة حول العلم وفضله

الخطبة الأولى

  

  الحمد لله رب العالمين الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، نحمده على جزيل النعم.

  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الأولوهية والقدم، إلهاً واحداً، فرداً صمداً.

  وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه المبعوثُ إلى آخر الأمم، أفضلُ من عَلِمَ وعَلَّم، صلى الله عليه وعلى آله سادات الأمم، وأصحابه المتأدبين بآدابه وشرف وسلم وكرم.

  أما بعد: أيها المؤمنون:

  الإنسان يبحث عن الكمال، ومحامد الخصال، ولكن كمالَ الإنسان لا يكون إلا بالعلم، الذي يضاهي به ملائكةَ السماء، ويستحقُّ به رفيعَ الدرجات في العُقْبَى، مع جميل الثناء في الدنيا، ويتفضلُ مدادُه على دماءِ الشهداء، وتضعُ الملائكةُ أجنحتها تحت رجليه إذا مشى، ويستغفرُ له الطيرُ في الهواء، والحيتانُ في الماء، ويَفْضُلُ نومُ ليلة من لياليه على عبادة العابد سبعين سنة، وناهيك بذلك جلالة وعظماً.

  فقد امتن الله تعالى على الإنسان بالعلم وجعله من أكبر النعم وأجلها، بل ذكرها الله تعالى وامتن بها على الإنسان بعد نعمة الخلق والإيجاد، فقال تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ٢ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٣ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ٤ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ٥}⁣[العلق].

  فقد افتتح الله كتابه الكريم المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، بنعمة الإيجاد للإنسان، ثم أردفها بنعمة العلم، فلو كان هناك مِنَّةٌ أعظم من العلم، أو توجد نعمة، بعد نعمة الإيجاد هي أعلى من العلم، لذكرها الله تعالى بدلاً عن العلم، فنعمة الإيجاد هي الأولى، وبعدها نعمة العلم، إذ لا فرق بين الإنسان وبين سائر الموجودات من الجمادات والحيوانات إلا بالعلم.