12 - خطبة حول العلم وفضله
  فقد ذكر الله تعالى في هذه السورة الكريمة أولَ حالٍ للإنسان وهي كونه علقة مع أنها أخس الأشياء، وآخر حالةٍ وهي صيرورته عالماً وهو أجل المراتب، فكأنه تعالى قال كنتَ في أول حالك في تلك الدرجة التي هي في نهاية الدناءة وغاية الخساسة، فصرت في آخر حالك في هذه الدرجة التي هي الغاية في الشرف والنفاسة، وهذا حيث علمه بالقلم، وعلمه ما لم يعلم، بأن جعله قابلاً للتعلم، مؤهلاً للفهم، وهذا دليل واضح على أن العلمَ أشرفُ المراتب، وأعلى المناقب، إذ لو كان غيره أشرف لذكره الله تعالى وامتن به.
  ومن فضل العلم: أن الله سبحانه قرن أولي العلم بنفسه وملائكته فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}[آل عمران: ١٨]، وزاد في إكرامهم على ذلك مع الاقتران المذكور بقوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عمران: ٧]، وبقوله تعالى {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ٤٣}[الرعد]، وقال تعالى {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة: ١١]، وقد خص الله سبحانه في كتابه العلماء بخمس مناقب:
  الأولى: الإيمان: قال تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}[آل عمران: ٧].
  الثانية: التوحيد والمعرفة لله: قال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ}[آل عمران: ١٨].
  الثالثة والرابعة: البكاء والحزن والخشوع: {إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا ١٠٧ وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا ١٠٨ وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ١٠٩}[الإسراء].
  الخامسة: الخشية لله تعالى: قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر: ٢٨].
  وقال تعالى مخاطباً لنبيه - مع ما آتاه من الله العلم والحكمة، أمره أن يطلب الإزدياد من العلم، فقال تعالى {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ١١٤}[طه].
  ومن فضل العلم: أن حملته مخصوصون بما لم يختص به غيرهم من اليقين والبيان والإطمئنان إلى الهدى، والمعرفة لكثير مما أراده الله تعالى في كتابه من المعاني والمقاصد،