الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق
  عقلك يُصْدِرُ لك علامات التحذير عندما تَهِمُّ بما لا يرضي ربك، ولكن أنت الذي تتجاهل تلك المؤشرات، وتتساهل بتلك التحذيرات، ولا تقف بصراحة وجد مع نفسك التي تأمرك وتدعوك إلى المخالفات.
  فما من عاقل لبيب إلا وهو يجد ذلك في نفسه، لأن الله تعالى يقول {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ٧ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨}[الشمس] فأنت إنما تغالط نفسك، وتمكر بها، عندما تنصاع لأوامرها، وتتجاهل تحذيراتِ العقل وتنبيهاته، وإذا حاولت المغالطة فأنت إما ناقص عقل أو سيء تفكير وتدبير.
  لأن العقل والنفس خصمان متعاديان، فالعقل مجبول على الخير، والنفس مجبولة على الشر، العقل محبول على ما ينفع، والنفس مجبولة على خلاف ذلك.
  فكل واحد منهما ينازع الآخر، فإن غلب العقل على النفس صير النفس من جنوده، وسهل لها الخيرات، وأبعدها عن الشبهات، وأخضعها وأدبها على تحمل الطاعات، وأكرهها على المشاق من العبادات، لكي ترتاح عند الجزاء في الآخرة.
  وإن تغلَّبت النفسُ على العقل، صيرت العقل من جنودها، وجعلته خادماً لها في ألاعيبها، فبدلاً من أن يكون آلة لخلاصك تُصَيِّرُهُ النفسُ آلةً لتورطك وهلاكك.
  وبدلاً من أن يكون العقل آلة للتفكير في أساليب الطاعة، وتنوع العبادة، تُصَيِّرُهُ النفسُ آلةً للتفكير في أساليب المعصية، وطرق استخدامها، والمهارة فيها، وتجعل من العقل وسيلةً للتفكير في التحيل على الناس، وابتزاز أموالهم، وأخذ حقوقهم، واستنتاج الأساليب المبتكرة في ذلك.
  وفقنا الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا معاصيه، وغفر الله لنا ولكم سالف ذنوبنا، فيما خلا من أعمارنا، وعصمنا وإياكم من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}[الإخلاص]، بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، إنه كريم جواد بر رؤوف رحيم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدينا ووالديكم ولكافة إخواننا المؤمنين والمؤمنات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.