روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

17 - أسباب البلاء ودوافعه

صفحة 150 - الجزء 2

  أسبابه هان وسهُل علاجه، وما اتضح وبان قَرُب تقويم اعوجاجه، وسنتكلم في هذه الخطبة عن (أسباب البلاء وكيف ندفعه).

  فأما أسباب البلاء فكثيرة: ولنقف مع المصطفى ~ وآله وهو يبينها لأمته كي تحذرها، فعن علي #، عن النبي ÷ قال «إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة فقد حل بها البلاء»، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال «إذا كان المَغْنَمُ دولاً، وإذا كانت الأمانةُ مَغنمَاً، والزكاةُ مغرمَاً، وأطاع الرجلُ زوجته وعقّ أمه، وبرّ صديقه وجفا أباه، وارتفعت الأصواتُ في المساجد، وكان زعيمُ القوم أرذلهم، وأُكرِمَ الرجلُ مخافة شره، وشُربت الخمر، ولُبس الحريرُ، واتُخِذَتِ القيناتُ والمعازفُ، ولَعَنَ آخرُ هذه الأمة أَوّلَها، فليرتقبوا عند ذلك ريحاً حمراء، و خسفاً ومسخاً».

  وعن الإمام الشهيد زيد بن علي، عن أبيه، عن جده $، قال: قال أمير المؤمنين علي #: (إذا كان زعيمُ القوم فاسقَهم، وأكرم الرجل اتقاء شره، وعُظِّم أربابُ الدنيا، واستُخِفّ بِحَمَلة القرآن، وكان تجارتُهم الرِّبا، ومأكلُهم أموالَ اليتامى، وعطلت المساجد، وأكرم الرجل صديقه وعَقَّ أباه، وتواصلوا على الباطل، وقطعوا الأرحام، واتخذوا كتاب اللّه مزامير، وتُفُقِّهَ لغير الدين، وأكل الرجل أمانته، وأتُمِنَ الخونةُ، وخُوِّنَ الأمناءُ، واستعلت كلمةُ السفهاء، ورفعت الأصوات في المساجد، واتُخِذَتِ طاعةُ اللّه بضاعةً، وكَثُرَ القراءُ، وقَلّ الفقهاءُ، فعند ذلك توقعوا ريحاً حمراء، وخسفاً وزلازل، وأموراً عظاماً).

  أخي المسلم: إذا وقفنا مع أنفسنا وقفة الصدق والمحاسبة، فإنا نجد أن هذه الخصال إذا لم تكن قد وجدت برمتها وأجمعها، فقد حصل ووقع أكثرها، ومارس الناس أنواعاً متعددة منها، صدقت يا حبيب القلوب، ويا رسول الرحمة والهدى، قد أصبحت أمتك تتعامل بما نهيتها عنه، وحذرتها منه، وتركت أوامرك خلفها ظهرياً، ونبذت كل نصيحة وهداية منك نبذاً ظاهراً جلياً، فالمعاصي يعملونها ظاهراً، ويتخذونها مثلاً سائراً، فالأمانة قد ضُيِّعت، حيث وقعت في أيدي غير الأمناء، وحيث تولى أمور الناس وشؤونهم الخونة الأشقياء، وهاهم أهل الأموال والتجارات يعتبرون إخراج الزكاة غرماً موجعاً ونقصاً