روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

18 - مكفرات الذنوب

صفحة 158 - الجزء 2

  قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٤}⁣[المطففين]، ويقول تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ ١٠٠}⁣[الأعراف]، الذنوب حجاب عن رحمة الله، وهي أعظم أسباب البعد عن الله، وأشد المقسيات للقلوب، وهي التي تمنع الإنسان من الإستجابة لداعي الله، والتأثر بالمواعظ والعبر، والذنوب تجعل حجاباً بين العبد وبين ربه، وتحول بينه وبين كل ما يحبه، الذنوب سموم مهلكة، وسهام مسمومة، والسبب في دخول الإنسان في النار وخلوده في العذاب والخزي والهوان، وهي جرأة على الله، ومجاوزة للحدود، ومخالفة للمعبود، وسلوك لطريق الكفران والجحود، لأن العاصي المرتكب للذنوب مخلٌ ومقصرٌ وتاركٌ للشكر الواجب عليه للمنعم الذي مَنّ عليه بأصول النعم، والشكرُ هو بالطاعةِ والإمتثال، والمعصيةُ مخالفةٌ، والمخالفةُ كفرٌ للنعمة، ولْيعلم العبدُ العاصي أنَّ مجموعَ الضرر الدنيوي والأخروي حاصلٌ بسبب الذنوب، فإذا علم الإنسانُ هذا فعليه أن يثير لواعج الخوف في قلبه، ويحرك آثار الفزع في لبه، ليكون ذلك داعياً إلى الإقلاع في الحال عن الذنوب، وسرعة المبادرة في الرجوع إلى علام الغيوب، فإذا أحاطت الحسرة والندامة بالقلب حصل التأسف على التفريط فيما مضى، والتلهف على ما فاته في ما قد سلف وانقضى، فيدعوه ذلك إلى أن يندم ندماً يظهر على جوارحه، ويبين على صفحات وجهه وقواسمه، ويرسل القلب من خلال ذلك الندم والحسرة والأسف أوامرَ إلى العين أن تذرف دمعها، لتبرد لوعة الموقف، ويبين بها صدق الإعتراف من التائب المعترف، وبعد الندم يحصل للقلب حالة العزم على فعل الطاعة والإقلاع عن المعصية في الحال والإستقبال، عزماً قوياً لا يشوبه الوهن، وانطلاقاً صريحاً لا يختلجه خدع ولا مكر ولا سوء ظن.

  فإذا وصل العبد إلى هذه الحال يكون قد ألم بالتوبة من جميع الأطراف، وأحاط بجوانبها إحاطة أحكمها صحة الإعتراف، فيطلق عليه حينئذ اسم التائب، ومن تاب فلن يكون من عفو الله ورحمته بخائب، فما عليه إلا الإستمرار، والإكثار من الذكر