روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

19 - الصدق والكذب

صفحة 170 - الجزء 2

  والعجب من بعض المنخدعين الذين يستمرؤون الكذب، ويفتون أنفسهم بحله وجوازه، ويتساهلون في أمره: فترى الرجل يكذب إما تهاوناً بالكذب، وهو معصية خطيرة، وأشد الذنوب ما تهاون به صاحبه، وتراه يكذب إما لاعتقاد فاسد: حيث يظن أن الكذب لا يحرم إلا إذا تضمن أكل مال الغير، أو الإضرار بالغير، وتراه يكذب لطمع مادي يتمتع به في دنياه، وإما لتقليد أعمى لا هداية فيه، وكل ذلك خداع للنفس، وتضليل للفكر، فالتهاون بالكذب عنوان الرذيلة، فالكذبة الواحدة تخرق السياج الحائل بينك وبين الكذب، حتى لا يبقى دونه حائل، فالكذب كغيره من المعاصي تستوحش منه النفس المطمئنة الراضية المرضية، فإذا وَقعتَ في الكذب مرةً هان عليك شأنه، ثم تقع فيه ثانيًا فيهون عليك أكثر، حتى يصبح أمراً مألوفاً، كأنه سجية وطبيعة، فيكذب ويتحرى الكذب بدون حياء من الله ولا حشمة من الناس.

  أيها المؤمنون: الكذب مراتبُ ودرجاتٌ متفاوتةٌ في القبح:

  فأعظمُ الكذبِ وأشدُّه: الكذبُ على الله كما قال تعالى {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٩٤}⁣[آل عمران]، ويقول تعالى {انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا ٥٠}⁣[النساء]، وقال تعالى {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ٦٩ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ ٧٠}⁣[يونس]، ومن الكذب على الله تعالى الفتوى والحكم بغير ما أنزل الله، والتغرير والتلبيس على الناس بأنه من الصالحين، وأهل التقوى واليقين، وهو بخلاف ذلك.

  ويتلوه في القبح والجرأة الكذبُ على رسول الله ÷، فهو من الذنوبِ الموجبةِ لدخولِ النارِ، وذلك بأنْ يقولَ: قالَ رسولُ الله وهو كاذبٌ، وقد قال النبي ÷ «إنَّ كَذِبًا عَليَّ ليسَ كَكَذِبٍ على أحدٍ، فمن كَذَبَ عليَّ متعمدًا فليتبوأْ مَقْعَدَه من النارِ».