الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق
  ثم يأتي بعده الكذب على أئمة الهدى وعلى العلماء العاملين لكي يزين للناس قبح فعله الذي يلومه عليه الناس، فيأتي لينسب فعله ذلك إلى العالم ليصدقه الناس ويتبعوه في كذبه، وما أكثر الكذب على الله ورسوله وعلى أهل العلم في هذه الأزمنة.
  ومن جملة الكاذبينَ: من ينقلُ حديثًا وهو يعلمُ أنه كَذِب، قال ÷: «من حَدَّثَ حديثًا وهُو يرى أنَّه كَذِب فهو أحدُ الكاذبينَ»، وهذا يدلُّ على وجوبِ التثبتِ، وعدمِ نشرِ ما يغلِبُ على الظنِ كَذِبُه، إما لبُعدِه وغرابتِه، أو لصدورِه من معروفٍ بالكذبِ، أو لكونه في مؤمن يبعُدُ أن يقعَ منه ذلكَ، وكذلك الثرثارُ الذي يحدِّثُ بكل ما سمعَ هو من جملة الكاذبينَ أيضًا، قال رسولُ الله ÷: «كفى بالمرءِ كذِبًا أن يحدِّثَ بكلِّ ما سمِع».
  أيها المؤمنون: للكذب دابَّة يسيرُ عليها، ومَطِية ينتشرُ بها، وهي أن يقول: قالوا أو سمعنا أو قرأنا أو نحوِ ذلك من العباراتِ الناتجة عن تخمين وعدم يقين، كما قال ÷ «بئس مَطِيَّةُ الكَذِبِ زعموا»، أي بئس المطيةُ للكذب كلمةَ زعموا، قال عبدُ الله بن مسعود ¥: (إنَّ الشيطانَ ليتمثلُ في صورةِ الرجلِ، فيأتي القومَ فيحدِّثُهم بالحديثِ من الكَذِبِ، فيتفرقون، فيقولُ الرجلُ منهم: سمعتُ رجلاً أعرفُ وجهَهُ ولا أدري ما اسمُه يحدِّث).
  فإذا كان في المجتمعِ من ينقُل الأخبارَ وهو يعلمُ كَذِبها، ومَن يحدِّثُ بكلِّ ما سمعَ، ومَن يجعل مطيته في كذبه زَعموا أو قالوا أو سمعنا أو قرأنا، إذا كانَ هذا في المجتمعِ ترعرعتْ الإشاعات، وبلَغَتْ عَنانَ السماءِ، ولا يخفى على عاقلٍ خطرُ الإشاعات الكاذبة في المجتمعِ، فكم من بيتٍ حطَّمتْ سمُعَته، وكم من مسلمٍ ظلمتْه، وكم من بريء اتهمته، وكم من عِرضٍ هتكته، وقد أعد الله تعالى لمن ينشر الإشاعات الكاذبة عذاباً عظيماً في القبر، وهو أن يقومَ عليه قائمٌ بكَلّوبٍ من حديدٍ، فيُدْخِلُ ذلك الكلّوبَ في شِدْقِه، فيُشَرْشِرُ أحدَ شِدْقَيهِ حتى يبلُغَ قَفاه، ثم يَفْعَلُ بالشدقِ الآخرِ مثلَ ذلك، ثم يعودُ للشدقِ الأولِ فإذا هو قدْ التئمَ على