الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق
  هيئتِه الأولى، فيُشرشِرُه إلى قفاه، ثم يعودُ إلى الآخرِ، كما جاءَ ذلك الوعيد عن النبيِّ ÷، وهكذا يُعَذَّبُ في القبر، لأنَّه يَكذِبُ الكِذْبةَ فتنتشر بين الناس.
  فاتقوا اللهَ أيها المؤمنون: واحذروا الشائعاتِ ونشرَها، فإن أعظم الفساد أن يتكلمَ الإنسانُ بكلِ ما سمعَ، وكثيرًا ما تكونُ الإشاعات مواكبةً للأزماتِ، ومتكاثرةً في أوقاتِ النكباتِ، والمشكلاتِ الشخصيةِ والعائليةِ، فتبدأُ عناكِبُ الفساد بنسجِ القِصصِ والمواقفِ النابعةِ من تصوراتِهم وخيالاتِهم وتحليلاتِهم، وتنشُرُها بين الآخرينَ، إما بغرَضِ التسليةِ، أو بغرضِ التشهيرِ، أو بغرض التشفي، لتجدَ الجميعَ في النهاية يتحدثونَ فيها زوراً وكذباً.
  وأخطرُ الإشاعاتِ أن تكونَ على يدِ من نثِقُ بهم، ويعتبرُهم المجتمعُ أهلَ العلمِ والمعرفةِ والثقافةِ، فهؤلاءِ أكثرُ خطرًا باعتبارِهم أكثرَ تأثيرًا في نفوسِ الآخرينَ، فلا بدَّ من التريُّثِ والانتباهِ لكلِّ ما نتلقاه، ولابد أن نلجأُ إلى إعمالِ العقلِ والتفكيرِ، لا أن نكونَ مجردَ إمّعاتٍ نتلقى ونقلّدُ وننشُرُ، فخطرُ الإشاعةِ على المجتمعِ يفوقُ أخطرَ الأمراضِ، فهي أكبرُ فتكًا وأكثرُ تأثيرًا، وتستحِقُّ منا حِرصًا ووعيًا وإدراكًا نصل به إلى جادةِ الحقِ والصوابِ.
  وقد أعد الله لمن ترك الكذب ثواباً عظيماً كما قال النبي ÷ «أَنَا زَعِيمٌ - أي كفيل وضامن - بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ - أي في أدنى الجنة - لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»، ويقول ÷ «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لا يَرِيبُكَ، فإن الصدقَ طمأنينةٌ، وإن الكَذِبَ ريبةٌ».
  فاتقوا الله أيها المسلمون، والزموا الأخلاق الفاضلة، وتجنبوا الأخلاق السافلة، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين، وفقني الله وإياكم لمكارم الأخلاق ومحاسن الخلال، ورزقنا الصدق في الأقوال والأعمال، وجنبنا منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء، إنه جواد كريم.