الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق
  أنه قال لأصحابه ذات يوم «كيف بكم وبزمان، - أو يوشك أن يأتي زمان -، يغربل الناس فيه غربلة، تبقى حثالة من الناس، قد مَرَجَت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه»، فقالوا: كيف بنا يا رسول الله، فقال: «تأخذون ما تعرفون، وتذرون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم».
  وفي رواية أخرى: بينما نحن حول رسول الله ÷ إذ ذكر الفتنة فقال: «إذا رأيتم الناس قد مرجت عهودهم وخفت أماناتهم، وكانوا هكذا»، وشبك بين أصابعه، قال الراوي: فقمت إليه فقلت: كيف أفعل عند ذلك جعلني الله فداك؟ قال: «الزم بيتك، واملك عليك لسانك، وخذ ما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة».
  فقد شبه النبي ÷ الحال الذي يصل إليه الناس إذا فسد العهد، وفسدت الأمانة، بالاضطراب والتشابك وتَعَقُّد الأمور، فشبك النبي ﷺ بين أصابعه لكي يعطي تصوراً للواقع الذي تصل إليه الأمة، وأيُّ سوء لواقع ولوضع لا يُعرف فيه الأمين من الخائن؟!، ولا يُعرف البر من الفاجر؟!، ولا الصالح من الطالح؟!، أي مصيبة لوضع وحال تكثر فيه الخيانات، وتضعف فيه العهود على مختلف الطبقات والمستويات، ويكثر فيه القيل والقال، يصل الحال إلى حد التشابك والإختلاط، التشابك في التصورات، والتشابك في الرؤى، والتشابك في معرفة العلاج لكثير من صور الخيانات، ونقض العهود، كيف يكون حال الأمة إذا أصبحت الخيانة هي السلعة الرائجة، وكيف حال مجتمع يقدم فيه الخائن، ويؤخر فيه الأمين.
  إذا قَلَّت الأمانة عند الناس، أو انعدمت عند البعض الآخر، فإنه لا يتورع حينئذ فيما يأخذ وفيما يدع، كم في المجتمعات من أبرياء ومساكين، يشتكون أنهم قد سلبت حقوقهم، وأخذت أموالهم.