21 - حقوق الجار
  ولما خرجا قال له أبو حنيفة: هل أضعناك يا فتى؟ فقال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله عني خيراً وعن حرمة الجوار، وتاب ولم يعد إلى ما كان عليه.
  وشكا بعض السلف كثرة الفئران في داره، فقيل له: لو اقتنيت هراً؟ فقال: أخشى أن يسمع الفأر صوت الهر فيهرب إلى دور الجيران فأكون أنا أحببت لهم ما لا أحب لنفسي.
  ولئن كان للجار قدر عند السلف، فقد يوجد في بعض الناس اليوم خير وبركة، فقد حكي موقف وقع بين جارين يبين لنا خُلقاً لا نجده إلا في الإسلام، حين يعتني الجار بجاره ويسد نقصه وحاجته.
  وهو أن جارين متجاورين فَقَد أحدهما جاره، فسأل أولاده عنه، فأخبر بأنه مسجون لأجل دين عليه، فاتجه الجار مباشرة، وباع سيارته التي لا يملك غيرها، واتجه من حينه للسجن ليسد الدين عن جاره، وما بقي من قيمة السيارة قسمه بينه وبين جاره، ورجع وقد ضحى بسيارته، وفك سجن جاره.
  ومن أقوى روابط علاقات الجوار البذل والمهاداة، فعن أبي ذرّ ¥ قال: إنّ خليلي ÷ - أوصاني: إذا طبختَ مرقاً فأكثر ماءه، ثمّ انظر أهل بيت من جيرانك، فأصبهم منها بمعروف.
  ليست القضية زيادة ماء فحسب، ولكن مثل هذا البذل والتهادي له أثر في إحداث الود والتصافي، وفي وصايا المصطفى ÷ للنساء «أيها النساء المؤمنات، لا تُحَقِّرْ أحداكُنَّ لجارتها ولو فِرْسَنَ شاة - أي مربط شاة -».
  فهل نتعاهد جيراننا من حيث الحالة المادية؟ فكم من جارٍ ربما كان ملاصقاً عنده من الحاجة والمسغبة ما لا يجد له مسدّاً، ومِن أولى الناس بمعروفك جيرانك، فقد روي عن النبي ÷ أنه قال: ما آمن بالله؟ قيل من يا رسول الله؟ قال من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يشعر.