روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

22 - في فضل الدعاء

صفحة 191 - الجزء 2

  في أي وقت من أوقاته، ولا لحظة من لحظاته، ذلك الأمر هو الدعاء والالتجاء والتضرع إلى الله مالك الكون وما فيه، ومدبر الخلق وشؤنه، فالدعاء دليل على افتقارك إلى الله، وإظهار الحاجة إليه، وخضوعك بين يديه، وتسليمك لكل أمر صادر منه إليك، ولهذا سماه الله تعالى عبادة، لأن العبادة لا بد فيها من التذلل والخضوع، والرهبة والافتقار والخشوع، والدعاء دليل واضح على استجابتك لله، وامتثالك لأمر الله، وأن قلبك معلق بالله، وأنك لا تستغني في أي حال عن الله.

  أما ترك الدعاء فقد سماه الله تعالى استكباراً، لأن تارك الدعاء إما أن يتركه استغناء عن الله، واستكفاء بنفسه وقوته وحيلته عن طلب ما عند الله، ودفع ما يلم به من المصائب، وهذا عين الاستكبار بل الكفر الصريح الذي توعد الله عليه بالنار.

  وإما أن يتركه ظناً منه أنه لا ينفع ولا يجدي، ولا يفيد ولا يخلص، فهذا هو الظن السوء بالله، والاعتقاد الفاسد بكرم الله وجوده، والواجب على العبد أن يحسن الظن بربه، فإن الله عند ظن العبد به، فإن ظن خيراً وجد خيراً، وإن ظن سوءاً جلب عليه سوءاً.

  وإما أن يتركه غفلة وسهواً، وذهولاً عن الله ولهواً، واشتغالاً بالدنيا والشهوات، وتضييعاً لنفسه ووقته وعمره بحثاً عن اللذات، فهذه حالة التردي والسقوط، والتفريط والتضييع، التي تجر للعبد الويلات، وتجلب عليه الحسرات والمذلات.

  وقد رغب النبي ÷ في الدعاء، في أحاديث كثيرة، فعن ابن عباسٍ ® قال: قال رسول الله ÷: «ما أعطي أحدٌ أربعاً فمنع أربعاً: ما أعطي أحدٌ الدعاء فمنع الإجابة، إن الله تعالى يقول: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}⁣[غافر: ٦٠]، وما أعطي أحدٌ الاستغفار فمنع المغفرة، إن الله تعالى يقول: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ١٠}⁣[نوح]، وما أعطي أحدٌ التوبة فمنع القبول لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}⁣[الشورى: ٢٥]، وما أعطي أحدٌ الشكر فمنع الزيادة لقوله تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}⁣[إبراهيم: ٧]».