روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

24 - في الإستسقاء

صفحة 204 - الجزء 2

  بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}⁣[الأعراف: ٩٦]، وكما قال تعالى على لسان نبيه نوحٍ ~: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ١٠ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ١١ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ١٢}⁣[نوح]، وقال تعالى حاكياً عن نبيه هودٍ عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ}⁣[هود: ٥٢].

  أيها المؤمنون: يجب علينا أن نتفقد قلوبنا، هل رويت من غيث الإيمان والتقوى، أم هي ظامئة؟ علينا أن ننظر في نفوسنا وأعمالنا هل أصبحت ربيع العمل والتطبيق لما جاء عن الله ورسوله أم هي منه مجدبة؟ يجب علينا أن نصلح ما فسد من أحوالنا، وأن نطهر قلوبنا من أدوائها وأمراضها، وعللها وأسقامها.

  أيها المؤمنون: نرى في هذه السنين قلة الأمطار، وغلاء الأسعار، وسوء الحال في جميع الأمصار، وما ذاك إلا بسبب أعمالنا، وسوء أفعالنا، وفساد نياتنا، فإن الله تعالى لا يريد لعباده إلا الخير، وقد يسر لهم أسبابه، وفتح لهم أبوابه، ولكن بأيدينا أغلقنا الأبواب، وبخطايانا وسيئاتنا ومعاصينا تعسرت الأسباب، فالخلل من قِبَلِنَا.

  إنّ ما يصيبُ العبادَ والبلادَ من الجدبِ والقحطِ، وأنواعِ البلاء والمحن، هو عقوبةٌ لهم على مخالفتهم لربهم، وتأديبٌ من ربهم لهم، رجاءَ أن يفيقوا من رقدتهم، ويستيقظوا من غفلتهم، وينهضوا من سقطتهم، لعلهم أن يبادروا بالتفتيش عن أحوالهم، فيصلحوا فسادهم.

  فإنا إذا نظرنا حال زروعنا قد ماتت، ويبست أكثر أشجارها، وآبارنا قد غارت مياهها، ومعائشنا قد تصعبت مصادرها، علمنا أن السببَ في ذلك هو ذنوبُنا ومعاصينا، فقد قَلَّت الغيرةُ على حرمات الله، وأصبحنا لا نغضب إذا عُصي اللهُ، ولا تتغيرُ ووجوهنا إذا انتُهِكَتْ محارمُ الله، وآثرنا الدنيا على الآخرة، فالكثير من الناس لا يُفرق بين الطيبِ والخبيث، ولا بين المنكر والمعروف، ولا بين الصدق والكذب، ولا بين الحق والباطل.

  فأيُّ وَهَنِ وَضَعْفٍ أشدُّ مِنْ تَنَصُّلِ المسلم عن دينه، وضعفه في يقينه؟!.