روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

25 - في الاستخارة وفضلها

صفحة 211 - الجزء 2

  أما بعد: أيها المؤمنون: الواجب على العبد المسلم أن يكون قوي الثقة بالله، شديد الإرتباط بحبل الله، متصل العلاقة بالله تعالى، اتصالاً دائماً في حالة العسر واليسر، والرخاء والضر، وأن يكون في كل حالاته مفوضاً إلى الله أمره، مظهراً حاجته إلى الله، معترفاً بضعفه وعجزه، عالماً أنه لا يستطيع أن يجلب لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يملك لنفسه موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ومتيقناً أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله الععلي العظيم، فمن استغنى بنفسه عن ربه افتقر وفُتن، ومن تعزز بغير الله ذل وهان.

  أيها المؤمنون: الإنسان مهما بلغ في المكر والدهاء، والحذق والذكاء، ومهما كان صاحب رأي ونظر، وتدبير وفكر، فإنه لا يستطيع أن يطلع على حقائق الأمور، ويعرف الخير منها والشرور، ولا يستطيع أن يتيقن أن الأمر الذي يقدم عليه، أو يعزم على تنفيذه فيه مصلحته أو فيه مفسدته، وإنما يخمن ويقدر ويقيس الأمور بعضها ببعض، فقد يصيب ظنه وقد يخطي، وقد يكون الأمر خيراً له، وقد يكون بالعكس.

  وإذا كان الإنسان العاقل اللبيب إذا عرض له أمر من الأمور، أو أراد أن يدخل في أي شيء من القضايا، فإنه يطلب المشورة ممن يراه مناسباً، ويستشير من يعتقد أنه صاحب رأي حسن، وفكر وعقل وتدبير، فإذا أشير عليه بأمر أمضاه، وإذا أشير عليه بخلافه تركه.

  ولكن كثيراً ما نعمد في قضايانا وأحوالنا وأمورنا إلى بعضنا البعض، وننسى أن نعرض أمورنا، أو نطلب المشورة في كثير من مهماتنا، على من بيده نواصينا، ومن عنده علم أحوالنا، ولديه الإطلاع الكامل على كل أمورنا، وهو الله تبارك وتعالى.

  وقد يقول القائل: كيف أعرض أموري على الله؟ وكيف الطريق إلى ذلك؟

  فالجواب هو: أن الله سبحانه وتعالى قد حثنا على لسان نبيه الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أن نطلب الخيرة من عنده تعالى، بأن نستخيره في كل أمورنا، فإن من استخار خار الله له الخير، ويسر له الصلاح، ودفع عنه الضر، وصرف عن الشرور.