29 - حول الرزق والحكمة فيه
  وهذا التقسيم والتقدير للأرزاق لا يدل على أنَّ من أعطاه الله الخير الكثير، وأمده بالرزق الوفير، ووهب له المال الخطير، أفضلُ أو أحبُّ عند الله ممن لم يعطه الله إلا القليل، ولم يقسم له من الرزق إلا الشيء اليسير، كما قال تعالى {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٦}[المؤمنون]، فلم يجعل الله تعالى ما قسم بين عباده من الأرزق مقياساً لصلاحهم أو فسادهم، أو برهم أو فاجرهم، أو مطيعهم أو عاصيهم، بل قد يعطي اللهُ الدنيا من ليس من أهل الصلاح، ويمنعُها أهلَ التقوى والفلاح، كما قال تعالى {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ٣٣ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ ٣٤ وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ ٣٥}[الزخرف].
  أيها الإخوة المؤمنون: هناك أمورٌ هامةٌ لا بدَّ أن نبينها، وأن نوضحها في هذه المسألة الهامة، على وجه الاختصار:
  الأول: يجب أن نعلم علماً يقيناً أن الله تعالى هو الفاعل لأرزاقنا، وهو الخالق والموجد لها، قسم أرزاقنا كما قسم آجالنا، وقدر أقواتنا كما قدر أعمارنا، فهو نعمةٌ من نعم الله علينا، وتفضلٌ منه تعالى إلينا، لم يعطنا الأرزاق أجرةً على الأعمال، وليست مكافأة لنا أو ردّ جميل قمنا به فكافأنا عليه، وليس حاصلاً بقوتك وتعبك، أو بحيَلِك ومكرك، أو بدهائك وحذقك، أو بحسن تدبيرك وحرصك، فالرزق الذي بيدك هو كالجسم الذي أعطاك الله، ليس بمقدرتك أن تزيد فيه أو تنقص منه، كما أنك لا تستطيع أن تحول لونك أو تغير جسمك، كما قا ل تعالى {فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ٤٩ قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٥٠ فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ ٥١ أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ٥٢}[الزمر]، وكما قال تعالى {اللَّهَ يَبْسُطُ