الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق
  كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الأعراف: ٣٢] أي ومعهم غيرهم {خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٣٢}[الأعراف]، وكما قد أعطى اللهُ سليمانَ النبوةَ والملكَ.
  وإذا أعطى الله تعالى الكافرين والفاسقين أموالاً ونعماً وأولاداً فلا يجوز أن نعترض حكمة الله تعالى إذا جهلناها، أو أن نحاول تقليدهم في فجورهم وعصيانهم لنحصل على ما حصلوا من الدنيا، فإن ذلك لإبلاغ الحجة عليهم، وزيادة التكليف، ولله الحجة البالغة.
  وليس وصول الخيرات إليهم دلالةَ الرضى عليه، أو أن الله لو غضب عليهم، وسخط أفعالهم، لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وهذا من الجهل المفرط بحكمة الله تعالى.
  وقد نبَّه على ذلك أمير المؤمنين ~ في قوله: (فلا تعتبروا الرضى والسخط بالمال والولد جهلاً بمواضع الحكمة، ومواقع التدبير، قال الله تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ ٥٦}[المؤمنون]، فأخبر الله تعالى أن المالَ والبنينَ الواصلين إليهم من الله سبحانه وتعالى، وأن ذلك لا لمنزلة لهم عند الله، ولا مسارعة في الخيرات الخالصة، وإنما ذلك لإكمال حججه، وإظهار نعمه، إن شكروها أعطُوا أجر الشاكرين، وإن كفروها لحقهم عقوبة الكافرين.
  وكما قال أمير المؤمنين عليٌّ #: (وتأملْ عند إعراضك عنه إقبالَه عليك، يتغمدُك بإحسانه، وأنت مصر على عصيانه، فو أيم الله لو أن هذا في متماثلين في القوة، متساويين في القدرة، لكنت أولَ حاكم على نفسك بقبح العشرة).
  وفقنا الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا معاصيه، وغفر الله لنا ولكم سالف ذنوبنا، فيما خلا من أعمارنا، وعصمنا وإياكم من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}[الإخلاص]، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، ولوالدينا ووالديكم، ولكافة إخواننا المؤمنين والمؤمنات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.