روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق

صفحة 238 - الجزء 2

  تعالى {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ١٦٥}⁣[الأنعام].

  ولله الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة # حيث يقول:

  أتحسُدُونَ الناسَ فَضَلَ الباري ... في الرزقِ والخِلْقةِ والمِقدارِ

  وَوَاقِعِ الإقتَارِ والإيسَارِ ... ومَنُّهُ على الجميعِ جاري

  بالعدلِ في الإكثارِ والإقلالِ

  أراد من أهلِ القليلِ الصَبْرَا ... ومِنْ ذَوي المالِ الكثِيرِ الشُكْرَا

  وادَّخَرَ الأَجْرَ لدَارِ الأُخرَى ... ومَنُّهُ على الجميعِ يَتْرَا

  لِلفائزينَ بالمحَلِّ العالي

  الرابع: إذا أنعم الله عليك ورزقك فليس ذلك الرزق هو الذي يدخلك الجنة، ولا تجعل ذلك الرزق سبباً في احتقارك لعباد الله، واعتقادك أنك أرفع منهم قدراً، أو أعظم منهم خطراً، أو أن الله تعالى قد رضي عنك وأحبك، فقد يكون الأمر بالعكس، كما قال تعالى {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ ٣٧}⁣[سبأ]، وإذا أقتر الله عليك الرزق فليس لهوانك على الله، أو سقوط منزلتك عند الله، بل قد تكون رحمته بك، ومحبته لك صرفَت عنك الدنيا، كي لا تغرَّك وتضرَّك وتدخلَك فيما لا يجوز.

  فإن الله تعالى صرف عن أنبيائه وأوليائه زخارفَ الدنيا حتى سخر منهم المتكبرون والكافرون، كما حكى الله عن فرعون اللعين حينما دخل عليه موسى وهارون @ فقال فرعون بكل جبروت وتكبر واستخفاف: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ ٥٢ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ ٥٣}⁣[الزخرف]، فكانت النهاية {فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ٥٥ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ ٥٦}⁣[الزخرف]، وقد يعطي الله تعالى بعض أنبيائه وأوليائه شيئاً من الدنيا، زيادةً في الابتلاء،