روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

31 - حول التحذير من سوء الظن

صفحة 254 - الجزء 2

  فإن المجالس وأماكن القيل والقال قد بنيت على الوهم، وترك أهلها العلم، وعمرت بالشك، ولم تعمر باليقين، وما بني وعمر على الشك والوهم فسرعان ما يزول، وما بني وعمر على العلم واليقين، كان باقياً على مر الدهور حرياً بالقبول.

  أيها المسلمون: الظن ينقسم إلى قسمين: إلى ظن حسن، وظن سيء، إلى ظن صادق وظن كاذب.

  والله تعالى قد عاب الذين يتبعون الظنون والأوهام كما قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ٦٦}⁣[يونس]، ويقول تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ ٣٦}⁣[يونس]، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}⁣[الحجرات: ١٢]، ويقول تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ٣٦}⁣[الإسراء]، وقال تعالى حاكياً عن المشركين: {بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ١٢}⁣[الفتح].

  وروي عنه ÷ «إجتنبوا الظن فإن الظن أكذب الحديث»، وفي رواية أخرى «إياكم والظن، فإنه أكذب الحديث»، والمعلوم أن الكذب من أكبر الكبائر؟ ومن المعاصي الكبيرة، فقد جعل النبي ÷ الظن أكبر من الكذب؛ بل أكبر الكذب، لأن الظانّ ظن السوء يظن أنه يحسن صنعاً، وهو لا يرى أنه أخطأ، أما الكاذب فهو يكذب وهو يعلم أنه مخطئ وكاذب في قوله وفعله.

  وروي عنه ÷ «إن الله حرم على المسلم دمه، وعرضه، وأن يظن به ظن السوء».

  فلا بد أن يكون المسلم من أهل التحرز والورع، وأن يبني أموره على التحقق واليقين، وأن يترك الظن والتخمين، فإذا حصل له ظن فليترك ولا يتبع الظن، ولا يلقي له بالاً،