روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق

صفحة 255 - الجزء 2

  كما أرشدنا إلى ذلك النبي ÷ حيث يقول: «إذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ، وإذا تطيرت فامض».

  فلما كانت النفوس تألف وتعتاد الظن دلنا رسولنا على أن التخلص من ذلك، هو عدم التحقيق والسؤال، والبحث والتفتيش عن تلك الحال.

  إن علامة الظن الذي يجب اجتنابه: هو الشيء الذي لا تُعرف له إمارة صحيحة، أو يكون عليه سبب ظاهر، فما كان هكذا كان واجبَ الإجتناب.

  أيها المؤمنون: إن لسوء الظن مفاسد يجلبها، ومصائب يسببها، فبسبب سوء الظن، تتولد القطيعة والفرقة، فإن الكثير من العداوات والجفاء، والتباغض والشحناء، بين المسلمين والمؤمنين سببُه الأعظم سوءُ الظن، فمن سوء الظن ينتج انعدام الثقة، وبسببه تقع التأويلات الخاطئة، والتفسيرات الجائرة، لما يصدر من بعض الناس نحو البعض الآخر.

  وهذا يفسدُ القلوب ويلوثُها، إذ لو صفت القلوب، وسلمت الضمائر، وطهرت السرائر، وحمل المسلمُ ما يصدر من أخيه على أحسن المحامل، لزالت الكثير من الشكوك والتساؤلات و الحزازات.

  فالظن السيء تتولد منه التهمة، لكن بأحسن التأويلات والمحامل تنتهي التهمة وتزول.

  قال بعض الحكماء: خمس يكبرن بخمس: النارُ بالهشيم، والشكُّ بسوء الظن، والجفاءُ بعدم الإحسان، والخصامُ بعدم الصفح، والقطيعةُ بعدم السؤال.

  ومن أضرار ومفاسد سوء الظن: أن القلب إذا أصيب بهذا المرض، انشغل بالخلق عن الخالق، وازدادت همومه، وكثر كلامه، فلا تسمعه إلا متنقصاً للآخرين مغتاباً لهم، لا هَمَّ له سوى الكلام والقيل والقال، بل تراه شامتاً بالمؤمنين، مستهزءاً بالصالحين، فهو يحزن لفرح أخيه المسلم، ويفرح إذا حزن.