روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

31 - حول التحذير من سوء الظن

صفحة 258 - الجزء 2

  الأجدر بالمسلم أن يلتمس العذر للمؤمنين، لأن تعاليم الدين الحنيف تأمرنا بذلك، والتماس العذر لا يكون إلا مع حسن الظن، وخصوصاً إذا وقع الخطأ من جانب أهل العلم أو أهل التقوى؛ فإنه لابد من التماس العذر لهم فلعله وقع سهواً، أو بغير قصد، أو نحو ذلك.

  ومما يسهل على المسلم قضية حسن الظن، ويحمله على التماس الأعذار للمؤمنين، هو أن ينزل نفسه منزلة ذلك الذي يسيء به الظن، وينظر في نفسه لو كان هو في محل ذلك الرجل هل كان يفعل ذلك الخطأ، فإن نفيته عن نفسك، ونزهت نفسك عن فعله، فانفه عن أخيك المؤمن؛ فإن هذا من باب أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك، قال تعالى منبهاً على ذلك: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا}⁣[النور: ١٢].

  فإذا كان الرجلُ مشهوداً له بالإيمان والاستقامة، معروفاً بالصلاح والتقوى، فلا ينبغي أن يحمل كلامه وألفاظه على غير ما تعود منه ومن أمثاله، بل ينبغي التأويل الصالح وتحسين الظن، كما قيل: إن التماس العذر لأهل الخير أمر راجح لا مرجوح، لأن العادة تقضي بذلك فيما قد عرف عنهم واشتهر.

  أخي المؤمن: إن لكل الناس عورات ومعايب، وزلات ومثالب، فلا تظن أنك علمت ما لم يعلمه غيرك، أو أنك أدركت ما عجز عنه غيرك، هلا شغلك عيبُك عن عيوب الناس؟ وهلا سلكت مسلك النصيحة وعدلت عن الفضيحة؟ وهلا علمت أن من تكلم فيما لا يعنيه ابتعد عن الصدق وقرب من الكذب؟

  فأحسن الظن بمن حولك، كي يحسنوا بك الظن، وإياك وسوء الظن بهم فتدفعهم إلى سوء الظن بك، وإياك أن تجعل عينيك مرصداً لحركاتهم وسكناتهم، فتلجأهم إلى ترصد حركاتك وسكناتك، ولله القائل:

  إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليماً مِن الأذى ... وَدينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِنُّ

  لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ ... فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ