33 - حول ستر العورة
  إليهم غيرهم من أقطار الأقاليم والنواحي والبلدان، كما قال تعالى {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ٢٦}[الأعراف]، فجعل الله تعالى مما امتن به على بني آدم واختصهم به أن خلق لهم ما يسترون به عوراتهم، ويحترزون به عن أعين غيرهم، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يتعرّون حال الطواف، اتباعاً منهم لأمر الشيطان، وتركاً منهم لطاعة الله، فعرّفهم الله تعالى أن ذلك من خدع الشيطان لهم، وانخداعهم بغروره، حتى تمكن منهم فسلبهم سترَ الله الذي أنعم به عليهم، حتى أبدى سوءآتهم وأظهرها من بعضهم لبعض، مع أن الله قد تفضل عليهم بتمكينهم ما يسترون به عوراتهم.
  لأن التعري والتكشف مما يتنافى مع المروءة، ولا يرضاه العقلاء، لأن ذلك من صفات الحيوانات، وطبائع البهائم، أما الإنسان فقد كرمه الله بالعقل، وشرفه بالفهم.
  وإذا كان الله تعالى قد كرم بني آدم فقد زاد الله تعالى في إكرام المؤمنين، وعظّم شأن المتقين فقال تعالى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ١٣}[الحجرات]، فقد جعل الله تعالى للإنسان المسلم حرمة عظيمة ليست لغيره، ورفع مقامه، وأعلى شأنه، لتمسكه بآداب الله، وامتثاله لأوامر الله، وابتعاده عن نواهي الله ø.
  أيها المؤمنون: مما يحصل التساهل به عند الكثير من الناس هو مسألة كشف العورة التي أمر الله تعالى بسترها، ونهى عن كشفها، وذلك التساهل إما جهلاً بالتحريم والنهي، أو تجرأً وتعدياً، فالبعض من الناس يظن أن العورة التي يجب سترها وتغطيتها مقصورة على العورة المغلظة التي هي الفرجان، فتراه يكشف فخذه أو ركبته بين الناس بدون تحرج ولا استحياء، في الأسواق والمجامع والمجالس، مع أن التستر وقبح التكشف من القضايا الفطرية، التي تدعو إليها الإنسانية، بل هي من مكملات المروءة والشهامة، لولا ذلك لما كان بين الإنسان وبين الحيوان فرق، فالله تعالى رفع مستوى الإنسانية عن حد الحيوانية البهيمية، بما ركب فيها من العقول، وأودع فيها من الغرائز الجبلية الفطرية.