روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

34 - في التوبة والإقلاع عن المعاصي

صفحة 282 - الجزء 2

  حسنات، قال تعالى {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا ٢٧ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ٢٨}⁣[النساء].

  فالتوبة: نعمة من الله عليك يا ابن آدم، أعطاك وحرم غيرك منها، أعطاك التوبة لترتاح ولتسعد وتهنأ بالعيش في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

  التوبة تغسل الذنوب والمعاصي بماء الندم والاستغفار، فإن الله يحب التوابين ويحب المستغفرين.

  أيها المؤمنون: الناس في ارتكاب المعاصي والذنوب على قسمين:

  القسم الأول: من يخدعه طول الأمل، وزهرة الشباب، وتوافر النِّعم، فيُقدِم على الخطيئة ويؤخِّر التوبة، أَوَ ما علم هذا المغرور أنه ما خدع إلا نفسه، فهو لا يفكِّر في عاقبة، ولا يخشى سوء خاتمة، وقد يجيئه أمر الله على بغتة، فتنفلت روحه، وتخرج من جسده ولم يتب بعد، وقد قال الله تعالى {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ}⁣[النساء: ١٨]، فهذا قسم من الناس هالك خاسر.

  والقسم الثاني: مَن إذا أحدث ذنباً، أو وقع في خطيئة، سارع إلى التوبة، وقد جعل من نفسه رقيباً عليها، يبادر بغسل الخطايا بماء التوبة والاستغفار والعمل الصالح، يقول الله تعالى في مثل هؤلاء {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ١٣٥ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ١٣٦}⁣[آل عمران].

  فلينظر كلُّ واحد منّا في نفسه ويسأل نفسه: مِنْ أيِّ القسمين هوِ؟

  أيها المؤمنون: لقد أصبحنا لا نقيم للمعاصي أي خطر، ولا نعد فيها علينا أي ضرر، بل نعصي ضاحكين، ونرتكب الخطايا مسرورين، ونفعل القبائح لاهين غافلين، ومع ذلك كله نرى أننا في خير العمل، وليس أحد أفضل منا ولا يساوينا، بل قد غرنا حلم الله عنا، وستره المرخى علينا.