روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالمواعظ البليغة (حول الدنيا والموت والقيامة والجنة والنار)

صفحة 283 - الجزء 2

  بل صرنا ننظر إلى ما نعمله من المعاصي نظرة التساهل والتهاون، فصرنا لا نخاف من الله ولا نخشاه، بل نجاهره بالمعاصي ليل نهار، خيره إلينا نازل، وشرنا إليه صاعد.

  كما روي عن رسول اللّه ÷ في الحديث القدسي الذي يرويه عن الله تعالى: «فيقول اللّه ø: إنكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين، تراؤون بخلاف ما تعظون، هبتم الناس ولم تهابوني، أجللتم الناس ولم تجلوني، عرفتم للناس ولم تعرفوا لي، اليوم أذيقكم من أليم العذاب مع ما أحرمتم من الثواب».

  وهذا يدل على عدم التعظيم لله في قلوبنا، لأننا لو عظمناه لما عصيناه، كما قال بعض الصالحين: لا تنظر إلى المعصية، ولكن انظر إلى من تعصي.

  فالمعصية معناها كفر النعمة، معناها ترك الشكر، معناها التهاون، معناها الغفلة.

  يا ابن آدم، لو رأيت يسير ما بقي من أجلك، لزهدت في طول ما ترجو من أملك، وإنما تلقى ندمك لو قد زَلَّتْ قدمُك، وأسلمك أهلُك وحشمُك، وأنصرف عنك الحبيب، وودعك القريب، ثم تُدعى فلا تجيب، فلا أنت إلى أهلك عائد، ولا في عملك زائد، فاعمل لنفسك قبل يوم القيامة، وقبل الحسرة والندامة، وقبل أن يحل بك أجلك، وينتزع ملك الموت روحك، فلا ينفعك مال جمعتَه، ولا ولد ولدتَه، ولا أخ اتخذتَه، ثم تصير إلى برزخ الثرى، ومجاورة الموتى، فاغتنم الحياة قبل الممات، والصحة قبل السقم، والقوة قبل الضعف، قبل أن تؤخذ بالكظم فيحال بينك وبين العمل، فعلينا أن نفيق من الغفلة، ونتوب من الخطيئة.

  وفقنا الله وإياكم لما يرضيه، وجنبنا معاصيه، وغفر الله لنا ولكم سالف ذنوبنا، فيما خلا من أعمارنا، وعصمنا وإياكم من اقتراف الآثام بقية أيام دهرنا، وجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ١ اللَّهُ الصَّمَدُ ٢ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ٣ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ٤}⁣[الإخلاص]، بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم إنه تعالى جواد كريم، برٌّ رؤوف رحيم، وأستغفر الله لي ولكم ولوالدينا ووالديكم، ولكافة إخواننا المؤمنين والمؤمنات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.