روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

35 - التحذير من الشيطان

صفحة 289 - الجزء 2

  فالله تعالى قد استخلف الإنسان في الأرض، وسخر له كل شيء يعينه ويسهل له طريق الطاعة، وأزاح عنه كل ما يعيقه ويمنعه عن سلوك الطريق المستقيم، ومن أعظم الإبتلاء والإمتحان للإنسان، هو إنظار الله تعالى وإمهاله للشيطان، وتخليته تعالى بين الشيطان والإنسان، فلم يعصم الإنسان منه، ولم يحل بينه وبين محنته وفتنته للإنسان، زيادة في التكليف والإمتحان.

  ولكنه تعالى قد حذر الإنسان من الشيطان أبلغ تحذير، وبيّن له مكر الشيطان وكيده في كثير من الآيات، وذكّر اللهُ الإنسانَ بمواقف عديدة وقصص كثيرة تحذره من الشيطان، وتبين شدةَ عداوتِه لبني آدم، وحرصِه على إضلالهم وإغوائهم، وقد زوّدَ اللهُ بني آدم بدروع واقية، وأسلحة على الشيطان ماضية، ترد عنهم كيده، وتبطل سعيه وكده، إنْ هم أخذوا بها نجحوا في الخلاص من حبائل إبليس وشباكه.

  فبقدر ما يحرص الشيطان على هلاك الإنسان، يحرص الله تعالى على نجاته وفلاحه وفوزه.

  وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أشياء كثيرة من أساليب وطرق الشيطان التي يختل من خلالها الإنسان، ويهجم عليه، وكم له من ألوان وفنون في ذلك.

  فالشيطان يترقب الفرصة تلو الفرصة، ويتابع الإغواء ولا ييأس من الفشل، بل إن همه وشغله الشاغل، وعمله المتتابع الدؤوب المتواصل، هو إضلال بني آدم وإغواؤهم، كما قال تعالى حاكياً عنه {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٨٢ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ٨٣}⁣[ص]، وكما قال تعالى {قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ١٦ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ١٧}⁣[الأعراف] فالشيطان يترقب الهفوات، ويخوض الغمرات والصعوبات في سبيل إغواء بني آدم، انتقاماً منهم بسبب العداوة التي وقعت بين الشيطان وبين آدم أبي البشرية، كما قال تعالى حاكياً عن الشيطان الرجيم {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا ٦٢ قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا ٦٣ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ