روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالمواعظ البليغة (حول الدنيا والموت والقيامة والجنة والنار)

صفحة 292 - الجزء 2

  لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ٣٩ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ٤٠}⁣[الحجر] ثم أكد الله تعالى عجز الشيطان عن أولئك، وأنه لن يجعل للشيطان عليهم سبيلاً بقوله تعالى {قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ٤١ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ٤٢}⁣[الحجر].

  وكما أن لله تعالى عباداً يعينون المؤمنين على طاعته، ويحثون عليها، ويسعون إلى إصلاح الناس فيها، فإن للشيطان كذلك أعواناً على الإضلال، وأخواناً على الأذى، كما قال تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ ١١٢}⁣[الأنعام]، وكما يقول تعالى {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ١٢١}⁣[الأنعام]، ولكن من كان مع الله فلن يُسْلِمَه الله ولن يخذلَه، وأما أعوان الشيطان فسرعان ما تزول مكائدهم، وينطفئ مكرهم، كما حكى الله تعالى ذلك عن كثير ممن زين لهم الشيطان أعمالهم في مصارعة الحق ومقاومته، وأوهمهم أنهم على شيء وأنهم سيهزمون أولياء الله، فلما حصحص الحق، واقترب الصدق نكص الشيطان على عقبيه، وترك أعوانه وإخوانه، قال الله تعالى {وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ٤٨}⁣[الأنفال]، فأسلمهم ولم ينصرهم، وأوردهم موارد الهلكة ولم يخرجهم، وأخرجهم من الهدى وأدخلهم في الضلال.

  وأما في الآخرة فإن الشيطان يهزأ ويسخر من أوليائه ومن أطاعه، ولا يستطيع أن يفعل لهم شيئاً أبداً، كما حكى الله تعالى خطبة الشيطان وكلامه لأوليائه في الآخرة: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٢٢}⁣[إبراهيم]، وقد أعد الله تعالى للشيطان وحزبه ناراً خالدين فيها، كما قال تعالى