الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالمواعظ البليغة (حول الدنيا والموت والقيامة والجنة والنار)
  قد تمكن، وحار في علاجك الطبيب، ويئس من حياتك القريب، وبدت ملامح الجزع على الحبيب، {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ١٩}[ق]، فتغير لونك، وغارت عيناك، ومالت عنقك وأنفك، وخرس لسانك، وذهب حسنك وجمالك، وأنت بين الأهل الإخوان، والأصحاب والجيران، قد عجزوا عن نفعك، وتحيروا في وضعك، وأنت تقلب فيهم حدقات الفراق، وتنظر إليهم آخر نظرات الوداع والإفتراق، وتؤذنهم بالوداع، وهم يعاينون ما أنت فيه من كرب وشدة، ولكنهم عن نفعك عاجزون، وعن دفع ذلك عنك لا يستطيعون {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ٨٣ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ ٨٤ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ٨٥}[الواقعة]، وأخذت عند ذلك تعالج السكرات، وتتابع الزفرات، حتى إذا انتزعت الروح، وفاضت النفس، صرت بين أهلك جثة هامدة، وجيفة بين أظهرهم ساكنة، فسارعوا في جهازك، خوفاً من تغيرك واختلال أعضاءك، وتباعدوا من قربك، واستوحشوا من جانبك، فعجلوا التغسيل والصلاة والدفن، واشتغلوا بعدها بقسمة المال، وأنت تعاني من شدة الحال، ورثتك وأهلك يقولون، ماذا خلف؟ والملائكة تقول: ماذا قدم وعمل؟!
  فبادروا رحمني الله وإياكم بالأهبة والاستعداد، وحسن التهيؤ وإعداد الزاد، فإن الدنيا تغر وتضر، نعيمها إلى زوال، ومقيمها إلى انتقال، وحلاوتها مرارة، وراحتها إلى تعب وخسارة، عزيزها يذل، وكثيرها يقل، وراحتها عناء، وسعادتها شقاء، لا تدوم على حال، ولا يطمئن لأهلها بال، كم وعظتنا فلم نتعظ، وزجرتنا فلم ننزجر، ونصحتنا فلم ننتصح، وحذرتنا فلم نحذر، فالسعيد من وعظ، والشقي من ترك، وفقني الله وإياكم لما يرضيه وجنبنا معاصيه.
  ﷽ {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ١٩ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ ٢٠ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ٢١ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ٢٢}[ق]، بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم إنه نعالى كريم بر رؤوف رحيم، وأستغفر الله لي ولكم ولوالدينا ووالديكم، ولكافة إخواننا المؤمنين والمؤمنات، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.