38 - موعظة عظيمة حول الموت
  فلنتيقظْ من نومة الغافلين، ولنَتَبَّهْ من وَسْنَة الجاهلين، ولننظرْ إلى مصارع المغترين، ومضاجع المستكبرين، أليس ديارهم خالية، وأجسادهم بالية، ومساكنهم مُقفرة، وعظامهم نخرة، وعروقهم بالية، وأيامهم فانية.
  أيها المؤمنون: لكل شيء أصل وفرع، وأصل الطاعات ذكر الموت، والطاعات فروعها، وأصل المعاصي نسيان الموت، والمعاصي فروعها، فذكر الموت ونسيانه أصلان عظيمان، فمن ذكر الموت وعمل له مضى إلى الجنة، ومن نسي الموت وغفل عن العمل مضى إلى النار.
  أيها المغرور بدنياه، المتبع لهواه، إلى متى تقرع أذنك المواعظ والعبر، وتصك سمعك الزواجر والنذر، بأهوال القيامة وأفزاعها، وأحوال القبور وأوضاعها، وأنت في رقدة الغفلة غافل، وفي سكرة الجهلة جاهل، أفلا تنتبه، الويل كل الويل لمن لا ينتبه إلاَّ بالنفخة في الصور، وإزعاج من في القبور، وحشر الخلائق ليوم النشور، لما وعد من إنجاز الجزاء، وفصل القضاء.
  عجباً لابن آدم يتقي من البرد بالدفئ، ومن الشمس إلى الظل والفئ، شفقةً على نفسه، ولا يشفق عليها، وهو يعرضها لنار جهنم كل يوم بمعصية اللّه تعالى.
  أيها المؤمنون: من استكثر من ذكر الموت أكرمه الله بتخفيف التكلف فيما ليس له، واستحقار زهرة الحياة الدنيا، وأوتي تعجيل التوبة، ونشاط العبادة، وقناعة النفس، فإن كان في رغد من العيش ضيقه عليه، وإن كان في ضيق من العيش وسعه عليه، ومن غفل عن الموت سوَّف التوبة، وتباطأ في العبادة، وترك الرضى بالكفاف.
  فحتى متى وإلى متى؟! دوام الغفلة والحيرة والعمى! ألسنا بربنا مؤمنين؟ وبيوم البعث موقنين؟ فمالنا يا من أمر الله معرضين؟! ولانتقام الله بالخلاف عليه في أمره متعرضين؟ من بعد الإيمان واليقين، والعلم بشرائع الدين.