روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

38 - موعظة عظيمة حول الموت

صفحة 317 - الجزء 2

  أفضل ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وتزودوا بأفضل ما يتزودون، وركبوا من أفضل ما يركبون، وأصابوا لذة أهل الدنيا في دنياهم، مع أنهم جيران اللّه غداً، يتمنون عليه ما يشآؤن، ويسألونه ما يريدون، فلا يَرُدُّ لهم دعوة، ولا يَنْقُصُ لهم نصيب، ففي هذا عباد اللّه ما يشتاق إليه من كان له عقل، أو ألقى السمع وهو شهيد.

  ثم قال أمير المؤمنين علي #:

  واحذروا عباد اللّه: الموتَ وقربَه، واحذروا سكراتِه، وأعدوا له عدتّه، فإنه يأتي بأمر عظيم، وخيرٍ لا يكون معه شرٌّ أبداً، وشرٍّ لا يكون معه خيرٌ أبداً، فمَن أقربُ إلى الجنة من عاملها، ومَن أقربُ إلى النار من عاملها، وليس أحدٌ من الناس تُفارق روحُه جسدَه حتى يعلم إلى أيَّ المنزلتين يصير: إلى الجنة أم إلى النار، عدوُّ لله سبحانه أو وليٌّ، فإن كان ولياًّ لله سبحانه فتحت له أبواب الجنة فنظر إلى ما أعد اللّه له فيها فاشتغل بها، وكل ذلك يكون عند الموت.

  واعلموا عباد اللّه: أن الموت ليس منه فوت، فاحذروه قبل وقوعه، وأعدوا له عدته، فإنكم طرداءُ الموت، إن أقمتم به أخذكم، وإن فررتم أدرككم، وهو ألزم لكم من ظِلِّكُم، الموت معقود بنواصيكم، فأكثروا ذكر الموت عندما نازعتكم أمانيَّ الدنيا أنفسُكم، فإنه كفى بالموت واعظاً، فإني سمعت رسول اللّه ÷ يقول: «أكثروا ذكر هادم اللذات - يعني الموت -».

  واعلموا عباد اللّه: أن ما بعد الموت لمن لم يغفر اللّه له ويرحمه أشد من الموت: عذابُ القبر فاحذورا ضيقه وظلمته، وغربته، إن القبر يتكلم في كل يوم فيقول: أنا بيت الوِحدة، أنا بيت الغربة، أنا بيت الدود، أنا بيت التراب، وإنما القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران، وإنما العبد المسلم إذا دُفن قالت له الأرض: مرحباً