روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالمواعظ البليغة (حول الدنيا والموت والقيامة والجنة والنار)

صفحة 318 - الجزء 2

  وأهلاً لقد كنتَ من أحب خلق اللّه تمشي على ظهري، فأما إذا وَلِيتُكَ وصرت إليَّ لتعلمنّ كيف أصنع بك، فتَفْسَحُ له مُدَّ بصره، وتَفْتَحُ له باباً إلى الجنة.

  وإذا دفن الكافر قالت الأرض: لا مرحباً ولا أهلاً، لقد كنت من أبغض خلق اللّه تمشي على ظهري، فإذا وَلِيتُكَ وصرتَ إليَّ ستعلم كيف أصنع بك، فتُضَيِّقُ موضعَه، حتى تلتقي أضلاعُه في حفرته، وهي من المعيشة الذي قال اللّه: {مَعِيشَةً ضَنْكًا}⁣[طه: ١٢٤]، ليسلطنّ عليه في قبره حياتٌ تهشم عظمه، لو أن واحدةٌ منهن نفخت نفخةً في الأرض لم ينبت زرع أبداً.

  واعلموا عباد اللّه: أنّ أنفسَكم وأجسادَكم الرقيقةَ الناعمةَ التي يؤلمها اليسيرُ ضعيفةٌ عن هذا، فإن استطعتم أن ترجعوا وتتركوا ما كره اللّه لكم فافعلوا، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.

  واعلموا عباد اللّه: أن بعد الموت أشدُّ من القبر، يوم يشيب فيه الصغير والكبير، يُسكرُ من غير شراب، ويَسقطُ فيه الجنين {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ}⁣[الحج: ٢] {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ١٠}⁣[الإنسان] {يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ٧}⁣[الإنسان]، إنّ شرَّ ذلك اليوم وفزعه استطار، حتى فزعت الملائكةُ الذين ليس لهم ذنوب، والسبعُ الشدادُ، والجبالُ الأوتاد، والأرضُ المهادُ، {وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ ١٦}⁣[الحاقة]، وتغيرت {فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ ٣٧}⁣[الرحمن]، وكانت الجبال سراباً بعد أن كانت جبالاً صماً، {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ}⁣[الزمر: ٦٨]، فكيف يتقي مَن يعصي بالسمع، والبصر، واللسان، واليد والرجل، والبطن، والفرج، إن لم يغفر اللّه له ويرحمه شرَّ ذلك اليوم، فإن صار إلى النار صارت إليه، فحرَّها شديد، وشرابها صديد، وقعرها بعيد، وعذابها جديد، ومقامعها حديد، لا يُفَتَّرُ عذابها، ولا يموت ساكنها، دار ليس لله سبحانه فيها رحمة، ولا يسمع لهم فيها دعوة، ولا يستجاب لهم عند كربه.

  اعلموا عباد اللّه: أن مع هذا رحمة اللّه التي لا تَعجزُ عن العباد، وجنةٌ عرضها كعرض السماوات والأرض، وحتى لا يكون معها شر أبداً، بلذة لا تمل، وتَجَمُّعٌ لا يتفرق أبداً، قد جاوروا الرحمن، وقام بين أيديهم الغلمان، بصحائف من ذهب فيها الفاكهة والريحان.