39 - حول عذاب القبر
  قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ١٠٠ فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ ١٠١}[المؤمنون]، وكما يقول تعالى {حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ٣٧}[الأعراف].
  وقد جعل الله تعالى للمكلف ثلاثَ مراحل لا بد أن يمر بها، ولا خلاص له منها:
  المرحلة الأولى: الحياة الدنيوية، التي يحيا فيها، ويكلف فيها، ويعمل فيها، ولا بد من الخروج منها، والانتقال عنها، سواء طال بقاؤه فيها أم قصر، وسواء أحسن فيها العمل أم أساء.
  المرحلة الثاني: الحياة البرزخية، وهي التي تنقطع فيها الأعمال، وتنصرم الآمال، حين تخرمها الآجال، وهي الحياة المؤقتة، وفيها يكون الإنتظار حتى يبعث الله الخلق ليوم الفصل، وفيها يطلع المرء على مصيره المحتوم، ومقره الأخير، فإن كان مصيراً مباركاً داخله السرور إلى يوم البعث والنشور، وإن كان مصيراً سيئاً، ومستقراً وخيماً، داخله الهم والغم، إلى أن يقدم على ما قدم، يوم الحسرة والندم.
  والمرحلة الثالثة: الحياة الأخروية، وهي الحياة الأبدية، التي لا انقطاع لمدتها، ولا نهاية لأمدها، ولا خروج منها أبداً، بل يخلد كلٌّ فيما عمل إما في نعيم مقيم دائم، وإما في جحيم مقيم دائم.
  وقد ذكر الله تعالى للإنسان بعد إحيائه وإيجاده في الدنيا إماتتين، وذكر له بعد موتته الأولى إحيائين، فقال تعالى حاكياً ومقرراً قول العصاة النادمين في يوم الدين {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ ١١}[غافر]، فالموتة الأولى هي الخروج من الحياة الدنيوية، والموتة الثانية هي الإنتظار للحياة الأخروية في الحياة البرزخية.
  والحياة الأولى هي الحياة البرزخية المؤقتة، والحياة الثانية هي الحياة الأخروية الدائمة، وقال تعالى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا}[البقرة: ٢٨] أي قبل خلقكم {فَأَحْيَاكُمْ}[البقرة: ٢٨] حين خرجتم إلى الدنيا {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ}[الجاثية: ٢٦] الموتة الأولى {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ}[الروم: ٤٠] في البرزخ {ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٤٤}[الزمر] يوم القيامة.