روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

40 - موعظة في الرجوع إلى الله تعالى

صفحة 329 - الجزء 2

  أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ١٧٧}⁣[البقرة]، فالصبر درع حصين، وحرز قوي متين، يقي المؤمنَ من آثار الحوادث، ومن نكبات المصائب، والإنسان العاقل، والمؤمن الصادق إذا ألمت به الأخطار، وتناوبته الأحداث الكبار، والأفزاع والأضرار تذكر واعتبر، ونظر في نفسه وما حوله وتفكر، فقد يكون ما يصيبه بسبب فعل سيء قدمه، أو خطأ ارتكبه، أو معصية وقع فيها، فعلينا أن نستشعر بعض الأمور الهامة:

  الأول: أن نحاسب أنفسنا محاسبة صادقة على أعمالنا، وأن نعلم أن أكثر ما يصيب الناس هو بسبب أعمالهم وعصيانهم ومخالفتهم لربهم، {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}⁣[القصص: ٤٧]، وكما قال تعالى {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ٦٢}⁣[النساء]، ويقول تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٦٥}⁣[آل عمران]، وقال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ٤١}⁣[الروم]، وقال تعالى {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ٣٠}⁣[الشورى]، ويقول تعالى {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ٥٨}⁣[الكهف]، ويقول تعالى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا ٤٥}⁣[فاطر]، فهذه الآيات الكريمة تبين لنا أن أعمالنا وهي سبب فيما يحصل علينا.

  فعلينا أن نعلم أن أعمالنا هي مفتاح أمورنا، إن حسنت وصلُحت أعمالنا حسنت وصلحت أحوالنا، وإن ساءت وفسدت أعمالنا ساءت وفسدت أحوالنا، فلا بد أن نترك الغرور، وأن نراجع حساباتنا مع الله تعالى بتوبة نصوح، كما قال أمير المؤمنين علي # (من حاسب نفسه سعِد، ومن حاسب نفسه ربح، ومن تعاهد نفسه بالمحاسبة أمن فيها المداهنة)، وقال # (أفضل الجهاد مَن جاهد نفسه التي بين جنبيه)، وقال ~ في وصيته عند وفاته (اللهَ اللهَ في الجهاد للأنفس، فهي